RSS

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

أنامل تعزف بالألم - ( قصة قصيرة )










أشب فوق أطرافي الصغيرة أكشف عن اتساخ قدمي العارية ... أراقـبه من ثقب الباب المطل على السلم ... أحاول أن أستغل المساحة المتاحة أمامي كي أرى أكبر جزء مـنه لكنه يصر على يأتي أمامي عـلى أجزاء .. تارة بيده يحركها باحترافية يضرب أوتار الهواء بموسيقى لا يسمعها غيره ... تارة أخرى يعصر بقايا سيجارة في المنفضة الممتلئة عن أخـرها .... التحم بالباب أكثـر أريد أن أعثر على تضاريس وجهه الـذي تلتهم نصفه نظارة لا تغادره أبدا أو شعره المتناثر دون ترتيب ... يدور حول نفسه عدة مرات.... يتمتم ... يبرطم .. يبصق .. يضرب ضربتين على عوده ثم يتجه نحو الورق المتناثر في عشوائية على المنضدة يكتب شيئا.. لكنه قبل أن يعود لدورانه يدرك ظلي المتسلل خلفه من فراغ ألواح الباب.. يثور .... يتقدم بخطى مفتوحة ليدافع عن خلوته أمام تطفلي اليومي الذي لا ينقطع عنه... أتراجع بسرعة على درجات السلم إلى حيث مكاني بين أسرتي الذين تركتهم يصارعون ملل الانتظار بحديث تلو حديث .
- ماذا كنت سأفعل بدونه ..... ؟
حركاته ... مطاردتى له ... تثيران بعض اللون يتحدى تكرار حياة الحصار .... مرة أخرى بالأمر تخليت مع أهل المخيم عن مقابلة الطريق منذ عدت بعلامات نهاية الشهر ... لم تسعد أبى رغم ارتفاعها ... الكل هنا يكدس الصبر ثم ننتظر من جديد مساحة حرية
لكنى تنبهت لوجوده رغم أن سكان المـــخيم لم يروه سوى مرات قـلائل و هو يحمل أوراقه شاردا لا يشعر بسخرية الأطفال منه أو تشغله ضحكة " بو عبد الله " البقال الواسعة التي تظهر أسنانه المتآكلة في كل مرة يمر فيها من أمامه
- كيف يخرج رغم الحصار ..... ؟
كل ليلة يضرب على عوده أنغاما كثيرة .. حــتى أصبح أبناء المخيم لا ينامون إلى عندما يبدأ عــزفا يعبر بنا فخ الحصار وجبن السور العازل لنـغتسل معا في نهــر الأردن ... لكن أبى المنشغــــل دائما بما تبقى معه مـــن أجل مواصلة حياتنا يستشيط غضبا في كل مرة يسمعه .
- على ما يعزف هذا المجنون .... ؟
مع كل مرة يقسم بأنه سوف يحطم له هذا العود بل سيكبله فى مكانه إن لم يكف لكنه لا يفعلها في أية مـرة
- هل يؤمن بموسيقاه رغم ما يبديه من غضب ؟
طرقات قدميه المنغمة تدق فوق رؤوسنا طوال الليل ... أتسلل إليه من جديد لعلى أتصيد عنه قصة جديدة أحكيها في الصباح لأولاد المخيم عندما نتقابل عند السطح ... أراه هائما بين أوراقـه يسعى أن يصـيغ من القهر المحيط بنا لحنا جديدا رغم إنهم جاؤوا إليه هذا الصباح
واقتلعوا منه العود بحجة أن أنغامه تخترق جدار " الميركافا " البارد .. لم يهتم وأخــــذ يصفر لهــم بفمه لحنا مقدسيا يذكرهم بأننا يوما سنعود .... يأمرونه بلغتهم المستوردة أن يكف و إلا جعلوه أول من يخبر أهل المخيم عن العالم الأخر...... يعلو بصوته الواسع فيهم ( دو..... ري..... مي ) ..... يبدءون عليه العد التنازلي بينما يسرقون ترتيب الأرقام ليعجلوا بنهــايته .... لا يهتم .... يضرب على الجدران بيديه لحنا إيقاعيا ينبض بالثورة .
علامة تصـــويب الهدف تتـــرصد أنامله الثائرة على زمن الحصار .. لا يهتم .... صوت أزيز طائرة " الأباتشى " يقصف تقاسيم
" المقسوم " ... و " الحجازى " ... و " البياتى " .
أصرخ عليه حتى لا افقده .... لكنه لا يهــتم .... و يعزف أكثر .

0 التعليقات:

إرسال تعليق