RSS

الأربعاء، 23 يونيو 2010

فيلم ديل السمكة - ( سيما من أجمل ما شفت )


أنا هذا الفيلم

فضولى المسبق عن هذا الفيلم هو الذى جعلنى اتمسك بمشاهدة هذا العمل بعد عدة سنوات كثر من تاريخ إنتاج هذا الفيلم ... لأجد بطل الفيلم يشير نحوى بنفس مقادير الحياة المتشابه مع حالة الجرى المتواصل داخل الحلم و الفرصة و حقيقة الواقع ... كنت أشاهد الفيلم بعينى لكن مشاعرى و عقلى و ذاكرتى كلهم تجمعوا على خط واحد يصيح ... أن هذا الفيلم يتحدث عنى أنا
لذلك أكملت زمن المشاهدة بكل عمق ... متمتعا بحياتى على الشاشة .



تحليل عن العمل : بقلم ( محمد الغيطانى )


فيلم "ديل السمكة" الخالي أساسا من الحدث نظرا لبساطة فكرته التي أخذها كما كتب في تيترات النهاية( الفيلم مستوحى عن وقائع حقيقية رواها كشاف النور و الشاعر محمد مسعد)، فالفكرة في منتهى البساطة و هي رحلة كشاف نور في أغوار المجتمع المصري الشديد التناقض اجتماعيا و اقتصاديا، من خلال دخوله العديد من الشقق لقراءة عداد الكهرباء، و من خلال هذه الفكرة يكشف لنا ذلك المجتمع المتفسخ الذي يعيش فيه، مثل هذه الفكرة البسيطة جدا نرى أنها شديدة الصعوبة حينما نرغب تحويلها إلى فيلم سينمائي به العديد من الأحداث و الشخصيات و المواقف و التقاطعات الدرامية و القصص الجانبية، إلا أن هذه الصعوبة لا بد أنها ستنتفي إذا كان كاتب هذا السيناريو حرفيا موهوبا مثل السيناريست "وحيد حامد".
لذا نرى مشهد النهاية- الذي هو أفضل مشاهد الفيلم من وجهة نظرنا- و قد تحركت الكاميرا في مشهد full shot لقطة شاملة كي تظهر لنا- عداد الكهرباء- (عمرو واكد) "أحمد عويس" يسير وحيدا بالرغم من ازدحام الناس من حوله بينما يبتعد ليتحول إلى قزم، ثم إلى نقطة في الزحام بينما نستمع إلى صوته في الخلفية السمعية يردد إحدى رباعيات الشاعر الراحل (صلاح جاهين) حتى يختفي تماما فنسمعه يقول:
في يوم صحيت شاعر براحة و صفا
الهم زال، و الحزن راح و اختفى
خدني العجب، و سألت روحي سؤال
أنا متّ، و لاّ وصلت للفلسفة
علّ انتهاء الفيلم بمثل هذا المشهد مع تعمد اختيار المخرج و السيناريست لهذه الرباعية للراحل (صلاح جاهين) لها معنى خاص يستشفها مشاهد الفيلم و التي تتمثل في أنه بعد أن اكتشف زيف كل ما يدور حوله، و بعد اكتشافه أنه لن يستطيع الوصول إلى ما يحلم به- بالرغم من وجود أمل بسيط مع المطربة التي اشترت أغنيته- و بعد ضياع حبيبته( حنان ترك) "نور" من يده، حين فضلت المال و الثروة و من ثم باعت نفسها لأحد الخليجيين كي تتخلص من الفقر الذي تعيش فيه- بالرغم من معرفتها أنه قد يزهدها و يتجه لغيرها في أية لحظة- نقول أن هذا المشهد يعني بعد كل ذلك أنه قد وصل إلى حالة هامة من حالات الإفاقة أو الكشف بالتعبير الصوفي و الفلسفي و من ثم وصل إلى قناعة مفادها رباعية (صلاح جاهين)، و لعل مشهد النهاية هذا يرتبط ارتباطا وثيقا مع مشهد بداية الفيلم الذي نجح المخرج "سمير سيف" أيما نجاح في التضفير و من ثم الربط بينهما؛ فنرى أثناء نزول تيترات الفيلم في البداية مشهدclose up كلوز آب على وجه (عمرو واكد) "أحمد عويس" بينما هو يجري بقوة و قد انثال العرق الغزير على وجهه بينما نستمع إلى صوت لهاثه القوي في الخلفية السمعية، بل نراه يجري في جميع ربوع مصر و أزقتها و محافظاتها و حواريها حتى لكأنه لن يتوقف على الإطلاق عن هذا الجري، أو كأنه أحد الأغارقة الذين كتبت عليهم استعادة المتاهة إلى مالا نهاية، إلا أننا نكتشف عند نهاية تيترات المقدمة أنه لم يكن يجري بالفعل في أنحاء مصر، بل كان يجري على عجلة التخسيس بينما هو في مكانه لم يتحرك قيد أنملة، لكن بمجرد انتهاء التيترات نراه يصحو فجأة من كابوسه لنكتشف أنه حتى لم يكن يجري على عجلة التخسيس و أن الأمر كله لا يعدو أكثر من مجرد كابوس حينما يقول لأمه( ثلاث ساعات يا أما ما بطلتش جري).
و لعل مثل هذا المشهد في بداية الفيلم يكاد يكون (تريلر) لما سيحدث بعد ذلك داخل السياق الفيلمي، بل و ينبئ بأنه لن يستطيع الوصول إلى أي من أحلامه، بالرغم من بذله الكثير من الجهد في سبيل ذلك، فإذا ما ربطنا مشهدي البداية و النهاية تأكد لنا تفسيرنا للمشهد الأخير مع رباعية (صلاح جاهين).
لذلك نرى "سمير سيف"، "وحيد حامد" يكتبان في مقدمة التيترات( هذا الفيلم مهدى إلى الشاعر و الفنان صلاح جاهين1986-1930 ) و لهذا نرى (عمرو واكد)" أحمد عويس" يعبر عن مشاكله و معاناته دائما برباعيات الشاعر (صلاح جاهين)؛ فنراه في بداية الفيلم يمشي في الزقاق الذي يقطن فيه قائلا و معبرا عن حاله:
أنا شاب، لكن عمري و لا ألف عام
وحيد، لكن بين ضلوعي زحام
خايف، لكن خوفي منّي أنا
أخرس، لكن قلبي مليان كلام
بهذه الرباعية نبدأ في التعرف على "أحمد عويس"(عمرو واكد) الشاب البسيط المثقف الشاعر الحاصل على شهادة متوسطة و لكنه يجلس في بيته بدون عمل يساعده، أو مورد رزق؛ و بالتالي فوالدته تنفق عليه و على شقيقته؛ لذا فهو يشعر بأزمة قصوى من تعطله، يتضح ذلك حينما يقول "لعم حسن"(عبد الرحمن أبو زهرة) صديقه و صاحب المكتبة حينما يرى "سيد بطش"(سري النجار)- العاطل الذي لا نعرف له عملا إلا أنه يركب سيارة و يصرف الكثير من الأموال- (الحاجات اللي مش مفهومة عمالة تكتر قوي يا عم حسن) و لعل في هذا إسقاط قوي و مباشر على المجتمع المصري الملئ بالعديد من التناقضات التي لا يوجد لها تفسير على الإطلاق سوى الفساد و التهرؤ و التفسخ الذي بات يتم اليوم بلا أي خجل، بل هو يتم تحت ستار من الشرعية في حالة شديدة من حالات الصخب، بل نحن نراه حينما يتباكى على حاله و عدم وجود عمل له؛ فيحاول "عم حسن" أن يصبّره بأنه صاحب شهادة متوسطة و أن هناك من حملة الشهادات العليا الذين لا يجدون عملا مثله الكثير، فيرد في قول دال و هام( يا ترى كلهم عاملين زي أنابيب البوتاجاز المتعبية؟) فيرد عليه "عم حسن" (و فيه اللي بقوا زي القنابل).
لعل في مثل هاتين الجملتين اللتين ساقهما "وحيد حامد" على لسانيهما من الدقة و الذكاء في التقاط التفاصيل ما يدل على قدرة "وحيد حامد" بالفعل على التعبير عن الكثير من المشكلات الهامة الموجودة في المجتمع المصري بالرغم من تجاهل حكوماتنا الرشيدة للكثير من هذه المشاكل؛ فأن يجلس الشباب هكذا لا بد أن يصبحوا بالفعل مثل القنابل التي لا بد ستنفجر في وجه الجميع بأية لحظة، سواء كان انفجارها هكذا غير مبرر أو بانضمامهم إلى الحركات الإسلامية و من ثم الانتقام من المجتمع المتفسخ الذي لم نعد نرى فيه سوى طبقتين لا غير، أو الانتقام من الحكومة نظرا لأنها السبب الأول في كل ما يدور حولنا من فساد و سرقة و قروض وهمية و أموال الغلابة التي يتم تهريبها للخارج تحت نظر الحكومة، بل و بالاتفاق معهم من خلال الرشاوى و المحسوبيات.
و نظرا لهذا التفسخ و الفساد الذي يدور حولنا يقدم لنا "وحيد حامد"، "سمير سيف" (سري النجار)"سيد بطش" يعمل رئيسا لعصابة من المتسولين في إشارات المرور و الطرقات، فيقوم بتوزيعهم كل يوم على مناطق العمل بسيارته ثم يلتقي بهم في نهاية اليوم كي يحصد الأموال التي جنوها، بل و يصل الأمر به إلى اقتنائه سيارة جديدة أكثر فخامة، بل و يشتري المقهى الموجود بالحارة بمبلغ سبعين ألفا من الجنيهات و يتم تحويله إلى محل لبيع الأدوات المنزلية، بل و يخبر"عم حسن" أنه قد باع مهنته القديمة- رئيس عصابة المتسولين- بمبلغ ضخم- و كأن الأمر نظرا لتفشي الفساد قد صار قانونا يتم تسويقه في سوق الفساد المصري- و لهذا نرى(عمرو واكد)" أحمد عويس" يقول مندهشا بحسرة( لو فلوس التسول بتعمل كدا يا عم حسن، أمال فلوس السرقة تعمل إيه؟) بالفعل نستطيع أن نقول معه( و فلوس الرشاوى و المحسوبيات، و فلوس قروض البنوك و أموال الغلابة، و فلوس فساد المستشفيات، وووو...، كل هذه الفلوس بتعمل إيه؟).
و لكي يقدم لنا "وحيد حامد" مجتمعا نموذجيا صادقا لما يدور في مصر نرى(حنان ترك)"نور" الفتاة اليتيمة التي مات والداها و تركا لها ثلاث شقيقات في مراحل تعليمية مختلفة، و من ثم فلا بد أن تكون هي مسئولة عنهم و لذلك لا تجد الفتاة- حنان ترك- من طريق آخر شريف تستطيع من خلاله الإنفاق على شقيقاتها- بدلا من بيع جسدها- سوى العمل بنادي القمار في أحد الفنادق الكبرى، و نرى كل من "أحمد عويس"، " سيد بطش" يتنافسان على حبها و التقرب منها و إن كانت هي تميل إلى "أحمد عويس" الشاعر و المثقف الذي لن ينالها في نهاية الأمر نظرا لأنها قامرت و باعت جسدها بشكل فيه بعض الشرعية الشكلانية- و إن كان في حقيقة الأمر لا يعدو أكثر من دعارة- حينما تبيع- تزوج- نفسها لأحد الخليجيين من أجل المال.
بهذا يقدم لنا "وحيد حامد" المجتمع المصري المتداعي، الذي هو موجود بالفعل نتيجة سياسات إفقار و فساد تتبعها الحكومة دائما كي لا يصحو المجتمع المصري على الإطلاق من غفوته و اهتمامه بلقمة العيش.
و من هنا يبدأ "وحيد حامد" رحلته في أغوار المجتمع المصري من خلال كشاف النور(عمرو واكد)" أحمد عويس" الذي يستطيع الحصول على تلك الوظيفة التي تتيح له الفرجة على كل المجتمع المصري بطبقاته و انهياراته و تفسخاته، و بما أنه يتحدث كثيرا و غلباوي و لا يحاول الاكتفاء بتلقي الأوامر من رئيسه في العمل(أحمد عقل) يصمم رئيسه- كعقاب له- على تعيينه لقراءة عدادات الطبقة الدنيا في المجتمع المصري(العشوائيات) أو كما أسماها أحد زملائه حينما سأله أين تقع منطقته فقال( دي في مجاهل أفريقيا، يعني في العشوائيات يا غشيم) و لذلك نراه يركب على عربة كارو بينما يردد:
مرغم عليك يا صبح، مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليا، و لا كان لي ميل
شايليني شيل، دخلت أنا في الحياة
و بكرة هاخرج منها شايليني شيل
و حينما تسأله السيدة التي تجلس جواره على الكارو( انت بتقول إيه يا أستاذ؟) يرد عليها بحسرة( ببكي على حالي يا حاجة، فيها حاجة دي؟) ترد( ربنا معاك، الله يقويك يا ابني)، و بذلك يبدأ "أحمد عويس" في رحلته التي يرى فيها بعض الأسر التي يقرب عددها من عشرين فردا بينما يقطنون غرفة واحدة فاسدة التهوية و الإضاءة، و نسوة أخريات يرفضن قراءته للعداد ظنا منهن أن قراءة العداد تستدعي بالضرورة تحصيل الأجرة في اليوم التالي بالرغم من عدم مرور أيام على التحصيل السابق، و حينما يصر على القراءة تهدده المرأة و تدّعي أنه يتهم عليها و يحاول إمساك صدرها فيفر هاربا، و غير ذلك من المواقف الكثيرة؛ فيحاول محاباة رئيسه في العمل بتقديم التفاح له على سبيل الرشوة- حيث كان رئيسه بدينا و نهما للأكل- و بالفعل ينقله إلى منطقة شعبية- أفضل من العشوائية- إلا أنه يلاقي العديد من المشاكل أيضا، فيذهب مرة في وقت غير مناسب لقراءة عداد إحدى الشقق بينما الزوج و الزوجة يمهدان لبدء عملية جنسية عاصفة، و بالتالي تخرج إليه الزوجة بقميصها الداخلي و هي في حالة غضب شديد لأنه أصر على رنين جرس الباب و من ثم لم تستطع إكمال ما بدأته، و لكن بما أنه يعجب بقوامها يقوم بالرنين عليها مرة أخرى إلا أن الزوج يخرج هذه المرة و يكاد أن يمزقه، و مرة أخرى يذهب لقراءة عداد أحد معامل الطرشي، و ترفض المعلمة إزاحة براميل الطرشي الموجودة تحت العداد، بل و تطلب منه الصعود فوقها و الوقوف على قطعة من الخشب، إلا أن قطعة الخشب تنكسر ليقع داخل البرميل.
و هنا نلاحظ أيضا ملاحظة هامة ساقها "وحيد حامد" على لسان معلمة الطرشي حينما قال لها(عمرو واكد)"أحمد عويس" أنه طوال النهار يسير في الشارع و بالتأكيد أن هناك شيئا عالقا في حذائه و إذا ما صعد فوق برميل الطرشي سيسقط شيئا داخله فترد عليه( انت مفكر نفسك في معمل حلاوة؟ دا برميل طرشي، يعني أي حاجة هتسقط فيه هتعمل له طعم برضه) و لعل في العبارة ما يدل على مدى التداعي الذي بتنا نعيش فيه داخل المجتمع المصري؛ لأنه إذا كان من حق أحد الوزراء سرطنة الشعب المصري بالكامل، فمن حق معلمة الطرشي أيضا إصابته بكل الأمراض المتاحة التي يحملها حذاء عداد النور.
و إكمالا لمسيرة عداد النور داخل السياق الجمعي المصري نراه ينتقل إلى الطبقة المرفهة التي تمتص دماء جميع المصريين بما تم تكنيزه من ثروات على حساب الآخرين، فنراه مرة يقابل أحد الشواذ(المثليين) الذي يرغب من(عمرو واكد) مضاجعته نظرا لأن صديقه لم يأت إليه، فيطلب منه تناول العشاء معه، بل و يعطيه إحدى أقراص الفياجرا مدعيا أنها مجرد مقوي عام و فيتامينات، و يهتم بإطعامه الاستاكوزا و ما إلى ذلك، إلا أن(عمرو واكد) يرفض ذلك نظرا لأنه لا يحب مثل هذه العلاقات، فيقول له الرجل في مشهد شديد الإنسانية نجح فيه السيناريست "وحيد حامد" أيما نجاح- و من ثم نقل لنا وجهة نظر شديدة التسامح و الإنسانية- حينما قال له الرجل لا تنظر لي هكذا؛ فأنا رجل محترم و أنا أيضا لا أحب ذلك، لكنه القدر، ثم يقول(لعمرو واكد) (انت اخترت اسمك؟) فيرد عليه (لا)( اخترت أهلك؟ اخترت المكان المولود فيه؟ اخترت شغلك؟) و في كل مرة يجيب عليه (عمرو واكد) بالنفي، فيقول الرجل في مشهد تعبر فيه خلجات وجهه عن مأساته الحقيقية( و أنا أيضا لم أختر ذلك)؛ فبالرغم من رفضنا اجتماعيا و أخلاقيا مثل هذا السلوك المثلي؛ إلا أن "وحيد حامد" استطاع نقله لنا بشكل عال فيه الكثير من الإنسانية.
مرة أخرى يقابل إحدى السيدات الوحيدات- كسيحة- و تطلب منه أن يصنع لها و له شايا لأنها ترغب في المؤانسة، و حينما يصرح لها بأنها في حاجة إلى من يعيش معها و يؤانسها تنكر ذلك بألم شديد مدعية أنها ليست وحيدة، و لكن أولادها الخمسة مشغولون بأسرهم و أعمالهم، ثم تحاول البرهنة الكاذبة على عدم وحدتها لتقول( يا ابني أنا مش وحيدة، أنا عندي الدنيا كلها) و بالتالي تفتح التليفزيون لتقلّب في القنوات الفضائية و كأنها تثبت له صدق حديثها قائلة(شايف) و قد بدا على وجهها علامات التأثر و الألم و الدموع الغزيرة لتقول بعد هنيهة( هي الدنيا برة شكلها إيه؟) و تبرر أنها لم تخرج منذ مدة لأنها في حاجة إلى من يخرج معها بشرط أن يقوم بذلك العمل بحب لا أن تكون عبئا عليه، فنراه يقوم بالخروج معها في مشهد بديع إنسانيا برع فيه المخرج "سمير سيف" و السيناريست "وحيد حامد" لنقل مجموعة من المشاعر الإنسانية الجميلة.
يقول( عمرو واكد) متمردا على حياته و عمله ذات مرة:
اقلع غماك يا طور و ارفض تلفْ
اكسر تروس الساقية و اشتم و تفْ
قال، بس خطوة كمان، و خطوة كمان
يا أوصل نهاية السكة، يا البير يجفْ
فهل استطاع التمرد الفعلي على العالم السقيم الذي يعيشه و المفروض عليه فرضا؟ نستطيع الإجابة على مثل هذا التساؤل بالإيجاب و السلب معا، السلب حينما نراه يظل يعمل في عمله و لا يستطيع التخلي عنه و كأنه استسلم له و لقدره الذي لا يستطيع الفكاك منه، الإيجاب حينما نراه يصل إلى مكان حبيبته السابقة التي باعت نفسها(حنان ترك) و حينما يهم بمفارقتها تقول له( إيه مش هتقرى العداد؟) يرد عليه قائلا( أصل المنطقة دي مش بتاعتي) فترد( و لا بتاعتي) ثم ينفجرا ضاحكين على تلك المفارقة الغريبة و كأنهما يضحكان على الدنيا بل و على نفسيهما أيضا بالرغم من قسوتها معهم، و هو بذلك يكون قد تمرد على هذا الواقع السقيم المفروض عليه بالسخرية منه و الصعود إلى أعلى و كأنها حالة نيرفانا كي يرى الموضوع من الخارج الأكثر رحابة، و ينتهي من ذلك إلى أن هذا المجتمع الذي يعيش فيه لا يمكن أن يكون إلا هكذا في حالة من الفساد و التفسخ الذي يتم في صخب شديد على الرغم من عدم انتباه أحد لذلك إلا لمن و صل مثله إلى الفلسفة- على حد تعبير عمنا صلاح جاهين-.
إلا أنه بالرغم من الجو الكئيب و الحزن الشديد و الفقر المتفشي داخل فيلم "ديل السمكة" نلاحظ أن الموسيقى التصويرية التي أبدعها الفنان "عمار الشريعي" قد حاولت نفي ذلك تماما؛ فلقد كانت تشي بالكثير من الشجن و التفاؤل و كأنها تقول إذا كان هؤلاء الناس يمثلون "ديل السمكة" فهم أهم كثيرا من السمكة بكاملها، أو على حد قول "عم حسن"(عبد الرحمن أبو زهرة) حينما سأله( عمرو واكد) (إحنا إيه يا عم حسن؟) يرد عليه( إحنا ديل السمكة، من غير الديل السمكة ما تعرفش تعوم) و لكن للأسف أهم شئ في السمكة و هو الديل أو هذا القطاع العريض من المجتمع المصري يتم الاستغناء عنه الآن بكل سهولة من خلال صفقات الفساد و الرشاوى و السرقة، و لذلك يكمل "عم حسن"( لكن و هي مقلية أو مشوية أول حاجة تترمي الديل، و يبقى من نصيب القطط)!
تحية جميلة
للفنان(عمرو واكد)، (سري النجار) اللذين يؤكدان لنا فيلما بعد آخر قدرتهما و من ثم مهارتهما التمثيلية العالية منذ أول ظهور لهما في فيلم "جنة الشياطين" للمخرج "أسامة فوزي"2000 ، خاصة (عمرو واكد) بنظراته المعبرة و مشيته التي تتقمص ملامح الشخصية الحقيقية، و تحية لجميع من عملوا في الفيلم الذي رأيناه و كأنه حياة حقيقية تعرض أمامنا بكل ما فيها من تناقضات؛ و بالتالي خرجنا من حالة التواطؤ الفني التي تنشأ بين المتفرج و المؤدي، فرأينا حقيقة و ليس تمثيلا يؤدى.

0 التعليقات:

إرسال تعليق