RSS

الجمعة، 12 فبراير 2010

مواجهة ... ( قصة قصيرة )


تشابك عمليات الجمع والطرح فى كل مرة أضيف فيها رقما أعرفه أمام اسم أعرفه في قائمة الراتب الشهري التى دأبوا السؤال عنها داخل نبرة مبالغة من التودد منذ عدة أيام ... أخذتنى عنها .
(محمد فاروق أساسي 500 ... 50 حافز ) ... لكزتني بعفويتها فى حركة " تمطع "... اتنازل بسرعة عن تعليق ساخر يغازل ذاكرتى بــمحاولات الأخير المســتميتة فى خداع نرجســية مديرة القسم و هو يتنقل بحرفية بين كل مدارس النفاق الوظيفي ... ألامس بشغف انبثاق أصابعها الحمراء تقاوم بعفوية تكرار طبقات الغطاء حين قبلتها نائمة فى زواية كرسى ( الأنترية ) اتقاسم مـــعها انعكاس بياض شاشة الكمبيوتر خلال سـهرتي الإجبارية .
- ممكن تخلى البنت جانبك ؟... باين عليها قربت تصحي تانى .
صوتها المشبع برغبة السقوط فى الفراش .. أجبرنى على إيماءة موافقة مطولة قبل أن تغادرنا معا و هى تدهس تحت ثقل خطواتها المهدودة طرف حلم قد بدأ .
أدور بطقطقة ظهر مسموعة أغلف شفتى بضحكة ثم اتبعها بحركة مداعبة متعجلة ... لم تتوقف هى عنــــدها كثيرا أثناء انشـــــغال رأسها الصغير بالدوران داخل علامة استفهام تستطلع بها فحوى المكان بعد عودتها من عالمها الخاص ... استغل مساحة فضولها الواسعة لأترك أناملى تعود إلى ( لوحة المفاتيح ) تضيف رقما ... تضيف اسما .. أنشد أن اقترب خطوة أخرى من ذيل القائمة حتى اتحرر من جلستي
التي استولت على ساعات يوم الإجازة الذي كنت أرغب فيه صناعة بعض " الاندماج " الخاص .
لكن إصرار المديرة على أن أتى بقـوائم وكشوف الميزانية في الميعاد الذي اختاره غدا .. أفقدنى حتى حق التخيل .
- هتعرف إزاى ؟ .... دى محسوبة على الستات غلط .

زفرة ساخنة منه تندفع بين توالى ابجدية الأسماء وتكدس بعض التعليقات الوظيفية التى اعتاد لصقها مع دوران عجلة الأرقام التي يديرها بنفس درجة الاختناق مع نهاية كل شهر لعلها تهون بعض الشيئ .
- عبد الله زميل المكتب الذي يتبرم مقدما من ضياع نصف راتبه في شراء( موسم العــروسة) ... عم خليل الساعى الذي بدأ العد التنازلى لأيامه الباقية بينهم لكنه مازال يصر أن يكون أول من يحصل على راتبه -

تـزوم .. تجرح سكون الغرفة تعترض على ثقل أغطية لا تعترف بعد بحرية إنسانيتها ... أساعدها بمودة على إيجاد فتحة تلامس فيها الواقع رغم علمي بكل جمل الاعتراض المبرمجة من والدتها
- أنت عايزها تاخد برد ؟
- متخافيش عليها.
تتمسك بنظرة مسلطة لعيني المحلقة بسواد السهر بينما تعتريني فرحة تكون لغة دافئة بيننا...أجزائها اللينة تدفعها بانجذاب غير مقصود نحوى ... أتجاوب معها ... أحتويها بالذراع لنلتصق رقمين متجاورين أمام الشاشة الساطعة .

- دى مش أرقام و بس ... دى قدر .

أدرك توافق نبرة صوتي مع نبرة مستنسخة من صوت والدي الذي أصر في جملة مماثلة قاطعة أن أكمل مسيرته بين الأرقام رغم تصريحى برغبة مغايرة .

- تجارة يعنى تجارة ... هتعمل إيه بالسياحة ؟

يتقافز بداخلى " اعتراض " ظننت إنه فقد بين المحاضرات المملة والدوسيهات المنتفخة بالأوراق على المكتب أو فى تلك الشاشة الباردة .
أنهض بها .. أقطع ( طول ) الصالة متدثرا برائحتها الفطرية أثناء محاولتي السرية فى إعادة ذلك الاعتراض لسجنه الخامل ..

يستهوينى ميلاد رؤوس التعجب فى نظرتها الواسعة مع كل مرة تنجذب بمدار رقبتها نحو الصور المعلقة كأنها تستسقى منها شـبها خاصا يربطها بهم ... أشاركها نفس الاهتمام .. أجمع لها أنفا ...عينا.. .. لونا .. شبها قد يلحق بدرجة تغير ملامحها المستمر مع مرور الساعة قبل أن يعود شبح المديرة المتبرم دائما يدفعنى نحو حشايا المقعد المضغوطة بتكوير أواجه في جولة جديدة خانات القائمة الفارغة .. لكنها لم تتقبل تلك العودة ... تزوم ... أتصنع اللامبالاة ... تلونها بالأحمر سحابة غاضبة .. أقاوم بإضافة اسم جديد ... رقم جديد .

تشرع فى الإعلان عن ثورتها في تصاعد مدبر أحاول أن أجاريه بخفة جني شقي ... و حيوية مهرج سيرك ... و متشرد فيلسوف بينما هى تمن على بنصف ضــحكة مبللة من حين لأخر قبل أن اتعرض لخيانة أبطال قصص طفولتى القليلة ... أتوقف يتعرى العجز منى أمام موجة بكاء تجتاح كل مساحة الصمت .
- منين جابت كل الإصرار ده ؟ ... - ... أصحي لها أمها ؟

أقصف رأس السؤال قبل أن يطلق الضوء الأخضر بالإجابة ... فأنا لا أريد أن أبدو مهزوما أمام بذور حياة كنت أمتلك مثلها يوما لكنها ضاعت منى تحت سـطوة الأمر المباشر الذي لازمني منه حتى بعد أن رحل هو ... أحملها من جديد ... أجعلها ترتكز بشهورها الأولى على صدري العامر برغبة حقيقية للتواصل المختلف .

- بكرة هاخده أجازة ... و إل يحصل يحصل .

نعود معا نكمل لعبة التطلع فى الصور الغارقة في الأبيض و الأسود و المتباهية أحيانا بالألوان .. اتوقف بها أمام صورته الرمادية .. أظنه يرمقنا من وراء نظارته العريضة ... أهوى لأسفل بنظرتى إليه خشية كالعادة لكن نظرتها العفوية تـــواجه تــــجمد ملامحه بقوة ... اتحرك بميل نن العين إلى داخل إطار الصورة أحاول أن اختلس نـــظرة عميقة مثلها ... أرفرف بالجفن ... أزيد زاوية النظر ... اثبت عليه للمرة الأولى ... ثم أشرع بروح جديدة اتحدى بقوة كل ملامحه القديمة .

0 التعليقات:

إرسال تعليق