RSS

الخميس، 4 فبراير 2010

رحيل جديد ... ( قصة قصيرة )




أمسكت بملابسه رغما عنه .. لم يشعر بها وهو يتحرك في طريقــه رغم إصرارها على التمسك به .. يدير مقبض النافذة لتنهال أشرعة ضـوء النهار المـتزاحمة بقسوة على طلاء الحجرة المتآكل ... لكنها مع دورانه الأول تتركه لتهوى إلى الأرض بثقلها .. ينجذب لها بجزع ليراها تتناثر على الأرض هنا و هناك ... يمسك بلاتبيب أنفاسه في اللحظة الأخيرة يمنع فرارها من جسده الضئيل بينما يذوب إليها حتى ركبتيه المرتعشتين ... ينحني عليها مع بكاء مكتوم يشرع أن يجمعها بسرعة قبل أن يأتي هو و معـــه فرضية الــــعقاب اللازم ... مساحة الصمت المتاحة بينهما تضخم صوت شبشبه البلاستيكي الخشن يزحف تحت جسمه الثقيل في فضاء الصالة فتتملكه بالداخل رجفة متواصلة ... يده تتمدد في كل مكان تحاول أن يجمع أشلائها دون أن يهتم بما ينفذ منها تحت جلد كفين حديثــتين بالحـــياة تهدر دمه البكر ... يــــؤمن عليه في التفافة سريعة ليـراه يقــف عند حدود نظرته الزائغة يمسح وجهه من ماء الوضوء الممزوج بتمتمات يرددها مع كل مره .
- الحمد لله .. إنه لا يرانى .
يقلبها عـلى وجهها .. يجتاحه شحوب اللون الأزرق حين يرى ملامحها قد تباعدت .... تضربه رعدة قوية كلما تذكر العقاب .
- قد يضرب .. و قد يطرد .. و قد .. و قد ...
إن الــمساس بها يعتبر فى شرعه جناية ..... فهي فى معبده الخريفى حق منفرد كما يؤكد عنها فى جلساته .
- ماذا سأقول له ؟
حبات العرق تنبثق من مسام جبهته عند غياب إجابة السـؤال ...يسرع أكثر في لملمة أشلائها .... يعود إليه بنظرة مقسومة يلمح فيها انكسار ظله الممتلئ وراء زجاج باب الحجرة... يركع .... يسجد .
- كيف أرجعها كما كانت ... ؟
ينحني بكل جذعه إلى جزء قد فر منها إلى أسفل السرير لكن مع عودته للضوء يتزامن مع تسليمة منه لليمين ثم يتركه بلا حيلة يكتشف الحقيقة الكاملة عند يساره .... يتقدم بثقله يهرس شبشبه البلاستيكي في طريقه إليه تسبقه موجات غضب تدفع بقوة إلى ذهنه كل سيناريوهات العقاب .
الصفع ....
الضرب ....
الطرد ......
يتراجع أمامه إلى زاوية الغرفة تحيـطه أثار جريمته .. يتمنى لو أن تقبله طبقات الجير خلفه لونا مختفيا فى الأسفل
- صدقيني لم أقصد ..... لقد هوت ...
كفه العريض ينسحب من عمق الفراغ يختزل استرسال دفاعه ... يعصر جفنيه بشدة ينتظر منه صفعة بلا قانون يحكمها
- لماذ لا أشعر بأى ألم ... ؟
يرفرف بأهدابه في تدرج بطئ يعيد الصورة للاتساع ... يراه قد توارى من أمامه ليتشكل بجانبه في وضع القرفصاء يتحسس بأصابعه الكبيرة الخشنة الفراغات التي أضحت تفصل بين ملامح وجهها على الرغــم من إنها مازالت تبتسم له و هو يحتوى خصرها بذراعه مشدود القوام بينما تنظر هى له مستعذبة قوامته ... لقد كانت هي الأطول لذا أجلسها المصور على كرسي و جعله واقفا .
- آه ...خمسة و عشرون عاما وقفت بجانبها .
لكنها اختارت الشتاء الأخير لتتوارى خلف بوابة عالم لا يمكن العبور له بالاختيار ... حتى دون أن تمنحه وقتا أكثر يكمل فيه كتابة ( روايته ) الأخيرة عنها .
- هل هي وحيدة هناك .. كما جعلته هنا ؟
شيخ المــسجد يخبره دائما بعد كل صلاة بأن الله سوف يجمعهما معا من جديد عندما يصبح الأمر .. كن فيكون
- إذن .. لماذا لا يصدقه .... ؟
فهو يقسم بوجود بأنفاسها مـــعه .. تبدل حركة جسدها الممتلئ على السرير مازالت تؤرق نومه ... رغم إنهم يقولون إنها فعلا رحلت ... بل أن ابنه أيضا أعتاد أن يردد نفس ما يقوله أهل المنطقة
- لا إنها مجرد " شائعات " ... ( هناء ) هنا بداخلى تكتب معى على " الموكيت " قصة قصيرة .. على السجادة " قصيدة " .
- أنا آسف يا أبى لقد أوقعت الصورة .
ينتبه لابنه المنكمش على نفسه فيمر عليه بلمسه حانية تفصل ركبتيه المضغوطتين عن قفصه الصدري , ثم يلحقه بطرف جلبابه يمسح دمائه المتجلطة بين خطوط يديه ...( هناء ) كانت تقبل كفيه ... تحيط يهما سوار رقبتها .... نهدها ... خصرها إلا أن تـتعاطى معه نشوة الحياة تذهب بملل ساعات ( الوردية ) ... يشتهيها الان بكل حقه مرة أخرى .

- ماذا ستفعل بالصورة يا أبى .... ؟
يعود بنفسه .. يتمتم باستغفار مكبوت .. يحكم إطار الصورة فى ورقة جرائد قريبة .
- خذها لعم ( فرج ) ليضع لها زجاجا جديدا .
يغرسها بقوة تحت أبطه ... ينهض بخطوات نشطة نحو الباب .... بينما يتركه على جلسته المنزوية المضغوطة بحزن ... يتابع رحيلها من جديد .

0 التعليقات:

إرسال تعليق