RSS

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

صفر شمال .... ( قصة قصيرة )


لم يشارك زبائن المقهى المطل على كورنيش ( المنشية ) سوى بلقطة مجزأة بين شعره الخشن الملطخ بمشيب مبكر و بنطال تؤيد ألوانه الباهتة فكرة الاعتزال ... بينما يقبع بذاته وراء جريدة تبتلع مع انتصاب صفحاتها المتشنج ... نظارته الطبية العـريضة .. وجاكيتا متحفزا يواكب استنفار كتفيه بارتفاع مبالغ فيه , ثم ينتهى بحزمة تجاعيد عابسة تتبادل العمق والبروز على جبهته تكمل باقى صورته المنعزلة عن كل زبائن المقهى ... صفحات الجريدة تتلاطم بين يديه في عشوائية .
( مقال لكاتب مشهور ... تحليل اقتصادي ... حـوادث و قضايا ... أخبار العالم ...) و عند صفحة الأبراج يتوقف ...
- برج الثور (حاول اليوم أن تحدث تغييرا ... مع الأخرين ) .
يختلس بغشاوة دوائر زجاج نظارته المضغوط نظرة متسحبة على مجموعة زملاء العمل التى تتخذ من زاوية بالمقهى ميناء متسعا لضحكاتهم المفتوحة وتعليقاتهم الساخرة أثناء لعبة ( الطاولة) التي تجمعهم يوميا بعد نهاية عمل المصلحة قبل أن يعودوا لأدوارهم الطبيعية في الحياة ... لا أحد منهم يبادله التفافة .. نظرة عابرة حتى لو من باب الفضول رغم أنه يزاملهم نفس المكتب منذ سنوات عديدة .

تأخذه صورة لنجمة سينمائية تحتل بانحناءتها المثيرة زاوية الصفحة يرافقها بالطول خبر بداية عرض فيلمها الجديد الذي يتعرض بقوة لخبايا غرفة النوم ... يلتحم معها بشهوة .
- هي دى الستات الصح .
يدفع بتبرم بعيدا عودة صوت اخته المتكرر أثناء محاولاتها المستميتة لإيجاد أنثى له قد تستطيع أن تقوم بخدمته بدلا من مواجهة زوجها الذى شرع بيتململ من عبئه الإجبارى على حياتهما .. مع كل مرة يستدعى لنفسه سببا يغافل به حقيقة عجزه الكامل في أن يقــنع شبــح أنثى بأنه يحمل قوامة " آدم"... حتى يجعلها تسلم له عمرا خاصا .

يقترب نحوه ( القهوجى ) يهلل بجملة مسجوعة تعلن عن طلب لزبون أخر ... لكنه يلصق أمامه كوب الشاي المعتاد في صمت بارد ... و يرحل
- كل مرة يجى ليا بسحنة الميتين دى .
يقرر أن يعترض على طريقة المعاملة هذه .. يشحذ صوته ... يختار كلمة صادمة .. لكن عدم تذكره متى أخر مرة ترك له بقشيشا رغم حضوره اليومى يسقط شرعية الفكرة ... يباعد بين ضفتي الجريدة في حركة عصبية تكاد تتداخل فيها أخبار الحياة مع حتمية الموت و خشونة الواقع مع اتساع الحلم و تصغير الحقيقة أمام اعتماد المحاباة .
_ أتفضل معانا لقمة يا بو حميد
يتجاهل الدعوة ... فهم سيتناوبون فقط السخرية منه عندما يخترع الحجج و المبررات للهروب من نصيبه في الحساب مثل كل مرة , حتى أنهم اعتادوا أن يعلنوا الدعوة و ينتظرون منه رفضها الإلزامي
... يرتشف بصوت مطول رشفة ساخنة من كوب الشاي تساعده أن يعلو بها على ضجيج همهمتهم الساخرة التي تقصده

- ( عبده ) شغل لنا التلفزيون ... يمكن نشوف حاجة حلوة .
- حاضر .... معاك كمان واحد سحلب وصاية .
- الحساب هنا للباشا .

يسكن بأمل داخل تقسيمات صفحة الوظائف الخالية لعله يجد لنفسه فرصة تبعده عنهم ( مطلوب سكرتيرة .... عامل نقاش ... شباب حديثي التخرج ... مندوبي مبيعات ..) ... يجد نفسه خارج القائمة في كل فرصة .
- مش مشكلة ... سهرة من بتوع الواد حودة... أحسن منهم .
يداعب أزرار هاتفه المحمول و هو يمنى نفسه بمفردات عالم ( جاره الطالب المغترب جدا )..زجاجات البيرة... شرائط الأفلام الرخيصة ... حتى إنه يتخيل وجود أنثى أرخص عنده ... لا يمنحه الهاتف إجابة
- فاضل لك كتير في الشقة ؟؟
- الصناعية شوية مغلبنى
- بس يالا هانت ... / كانت فين / ... / ربنا معاك في الباقي / .

يسقط بأذنه فى حديث مجوعة الشباب الأخضر التي التفت حول المنضدة المجاورة له ... يتبادلون كلمات تواجه الحياة بعمق
... يغادرهم بسرعة ... يبحث بداخله عن أسباب تجاهل رناته المتواصلة ... جاره مؤخرا أطلق عليه لقب ( البراشوت ) .
- هي الحكاية ........

رنين ( التت الشرقى )المفاجئ من هاتفه يغادر بعلامة الاستفهام أثناء تصاعده ... يستقبل مكالمته في صمت لم يقطعه سوى همهمتين ثقيلتين قبل أن ينتهي منها .
- جوز أختي عايز يطلقها .. طيب أنا مالي ؟ .
- ( و تواصل قوات الاحتلال توغلها في القطاع مرتكبة جرائم حرب ... و أبلغنا مــــراسلنا أن أزمة رغيف الخبز تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن ...( فاصل إعلانى )
.. بعد النشرة نواصل مع ضيف الحلقة البرنامج الإجابة على سؤال- " هل يوجد رجل عانس ؟؟ )
- بلا قرف .. ناس غاوية توجع دماغها .
جملته العاليه بصخب شاذ ... دفعت إليه نظرات زبائن القهوة بشرر ... تخترق مكانه المزوى - للمرة الأولى -

0 التعليقات:

إرسال تعليق