RSS

الثلاثاء، 19 يناير 2010

رغم أن جولدا ستغضب


( 1 )

اتجمع بطبقات ضلوعى المرتعشة داخل زاوية المخبأ ... مثلهم ... جمعتنا هنا صفارة انذار تسهب فى ترديد حالة الخطر ... لم أكمل إعداد طبق " الكوشير( 1 ) " الذي ألح علي " شمعون " زوجي أن يجده جاهزا عند عودته من المعبد .... الكل هنا يرتمى فى جوف ساعات الانتظار .
- ترى هل عاد ؟ .. أم إنه مازال يتعلق بكتاب الدعوات عند المذبح ؟
حولى تتقافز خلجات الذعر على وجه سكان المستوطنة.... أسرة " كوهين " التي داهمتها الأنفلــــونزا في غير ميعادها ... " ديفيد " السافل الذي أعتاد أن يطرد زوجته في ليالي البرد لاستضيفها بدموعها المنكسرة في بيتنا المطل مــن ارتفاع على العالم الأخر الذي شرع يمطرنا منذ أيام بصواريخه الغاضبة من تمددنا الذي لا يريد أن ينتهي ... انغمس بلا خيار بين ألوان حكايات المختبئين ... ابحث عن مبرر يجعلني أعود لهذا البيت المميز بتمثال الزعيم الملفوف بكوفيته المنقطة حيث اعتاد "شمعون " أن يصوب عليه بسلاحه في أوقات فراغه ...حتى " سيرينا " جارتي لن تأتى في المساء لتذيب ليل وحدتها عندما يغادر زوجها الجنرال على عجل إلى أن يعود لها بأطراف حكايات مغموسة في رائحة البارود ... بجوارى هى تلتصق بالجدار .
- هل فعلا سننهار تحت وطأة صواريخهم ؟
- ( شوشرة ).. الناطق باسم الجيش يعلن أن لواء " جولاني " قد سيطر على بلدة الغجر الحدودية
- إذن لماذا نحن هنا ؟
يصطفون فى تمايل موحد نحو الحائط يطلبون العون من المجهول .... ترتعش ظلالهم أكثر على الأرضية الرمادية ... لا أقف معهم ... ابحث أكثر عن مبرر منطقى يدفعنى فقط لأن أعود .

( 2 )
لم انتبه كثيرا لطوابير السباب التي لم يمل " شمعون " من ترديدها بعد أن عاد ليجد سقف البيت الأحمر قد غادرت به صواريخهم الثائرة .. انحنى بالجذع ... أتمدد بالطول ... أتضاغط بين الأشياء ابحث عن صندوقى الخاص الذي أودعت فيه رائحة وطن أخر.
- لو كنت أعلم ؟
أجده خلف طبقة تراب ... اتشكل معه فى جلسة منفردة ... بتتابع أخرج شهادة الميلاد .. صور زمنية بالأبيض والأسود ... سلسال من حب قديم اسقطته أمام غيبوبة " العودة ".
- أين جواز السفر ؟
.. لم ابحث عنه منذ أن غادرت اكتظاظ سطح السفينة القادمة إلى " هنا " حيث حاصرني زواج لم تغادر أبعاده تلك المستوطنة التي اعتاد معظم سكانها أن ينتقدوا في جلساتهم المسائية في مقهى " جولدا" طبيعة حياتي التي لا تتفق مع شريعة التمدد .. حتى أن " شمعون " يدفعنى في كل مرة نحو صلوات التوبة و الكفارة مع كل صيام .
- هل جئت لأكون مختلفة ؟
أبث الصحوة للأشياء ... دفتر مذكراتي .. قلم الحبر الذي تجمد على نفسه ... أحاول من جديد أن انفض عنهما تراكم الأيام التي دفعت فيها لأن أغرس لى جذرا في تلك المستوطنة ... سنوات عبرت و أنا أكرر ترديد قصص الهولوكوست في مدرسة المستوطنة ... إعداد طعام السبت المقدس .. طلبات " شمعون " التي لا تنتهي ... أحاول أن أجمع حالتى الحالية فى سطرين , لكن سطور الدفتر في طريقها للون الباهت ... صرير السن الخشن يوقف فكرة الكتابة ... في أرضية الصندوق أراه يحتفظ بقدم الختم ( النجمة ) الأخير ... ألتقطه في حذر إلى طيات ملابسي .

( 3 )

إصرار" شمعون"أمام عدم رغبتى فى الذهاب حملنى مضطرة أن اتشارك جلستهم في مقهى "جولدا "المتوسط المستوى رغم إنهم تنازلوا عن شجاعة تشغيل الإضاءة ... نوافذ شاحبة باللون الأزرق تكمل عتمة أشباح ظلالية هى كل ما تبقى منهم ... سرينا استقبلتني بدهشة .
- شالوم ( 2 ) .
لكن " جولدا" تلك المرأة المهووسة بذكريات حرب الاستقلال أفرغت فى طريقى بلا مقدمات سيلا من الاتهامات لعدم مشاركتي في إحراق تمثال الزعيم العربي الذي صنعته بحقدها ... أتجاهلها لمقعد بجوار نافذة رغم نظرة " شمعون " الحاقدة علي .
- يجب أن نفعل شيئا
- أين " يهوه ( 3) " هذا ؟
- ( شوشرة أخرى)...وارتفعت معدلات الهجرة العكسية إلى الخارج مع اشتداد القصف الصاروخي على شمال البلاد .
ثورة غضب تندلع في الجميع ..." شمعون " يتعهد بتقديم النذور للمعبد حتى ينزل " يهوه " انتقامه علي الراحلين ... جولدا تدور حول نفسها تتهمهم بخيانة حلمها .

لا أكترث بهم كثيرا .. أخرجه بزاوبة لا تقبل تجمع فضولهم حولى ... أدير أوراقه بسرعة نحو صورة لي قد تجاوزتها سنين المستوطنة .... نفس ختم النجمة الصامت يواجهنى .
- يجب أن نعاقب هؤلاء الراحلين .... - شبة إجماع يكتمل حول جولدا ـ
- ماذا ستقول جولدا ... عندما تعرف ؟
افاجئ نفسى بابتسامة شماتة ... أحاور مقبض النافذة .... افتحها على مصرعيها ... تيار مشبع برائحة الحرب يرتطم بارتعادة جولدا .... أراها تندفع نحوى بالمواجهة
لا اهتم ...
وأجمع نفسا عميقا ملئ - الوطن الأخر – الذى شرع يخترقنى بقوة من جديد .
-----------------------------------------------
- الكوشير : هو الطعام الحلال - حسب الشريعة اليهودية -
- شالوم : تعنى كلمة ( سلام ) باللغة العبرية
- يهوه : إله اليهود - حسب الشريعة اليهودية -

0 التعليقات:

إرسال تعليق