RSS

الأربعاء، 20 يناير 2010

أربع محطات .... ( قصة قصيرة )


بفارق توقيت بسيط ... تردد دقاته المنتظمة نفس النبض المعدنى المتصاعد ... تسبقه نحوى دفعة هواء مضغوطة بينما أراه يأتى يتلوى فى المواجهة مع انحناءه قضبانه ... يخترق مجال نظرتى يندفع بتتابع عرباته الرمادية التى اتابعهه فى ومضات بصرية متلاحقة لأعاين نفس تلك الوجوه المتلاصقة التي أصبحت أعرفها بحكم العادة اليومية لركوب القطار حتى أنى بدأت اعتقد أن بيننا تطبيع علاقات غير معلن ... أجاريه في خطوتين متسارعتين التـقط بهما مقبض الباب فــي حركة بهلوانية قبل أن يشرع صوت " الفرملة " فى الاعتراض ... تحوى مساحة متاحة للوقوف جسدي المجهد قبل أن تخترق كتل الزحام أبوابه المنكمشة في أماكنها على الدوام .
أجد نفسي بنظرة أفقية في مواجهتها وقد اتكأت ببعض كتفها الممتلئ على بعض من الباب المتأرجح بينما شرعت رقبــتها في الانحناء نحو صدرها المندفع بثقله هو الأخر إلى فخذين تحولا مع استدارة الطشـت القابع بينها إلى سوار محكم يحمى قطع الجبن المتبقية من بيع نهار ... بحركة نصف دائرة على رقبتي المتحررة من انحناءة ثابتة على ورق المصلحة الذي لا ينتهي أسعى أن اقتات بعــض الإثارة يينما أبحث لها عن ملامح وجه لكنــها تصر على انحناء منسحب بالرقبة والجذع نحو الأسفل .. تجذبها غفوتها العميقة .
مرة أخرى ينطلق القطار فاردا جماح سرعته يقاوم الاكتظاظ المنتفخ داخله نـحو محطـة (الظاهرية) بعد أن غادر بثقل واضح محطة ( السوق ) ... يهتز جسده المعدنى المتخبط بارتداد مفاجئ يعود بها فجأة شبة فزعه للحياة داخل نظرة مكسورة مشوبة بعروق اللون الأحمر تستطلع دفء الفراش في الوجوه المحيطة بها .
- هل شعرت بتطفلي على عالمها الساكن ... ؟
دون أن تدرى بسؤالي .. يتلامس فيها الجفنان من جديد لتعود بنفس العمق السابق لغفوة جديدة اسلمت فيها كل إرهاق التبعثر على القدين داخل أزقة المدينة الغريبة عنها .
- لسه محطة الضاهرية ... ملل .
- أقرا يا فندى " حديث المدينة " ... شارون كان في الأصل واحده ست .
- حتى دى فيها كدب .... ؟
يتعالى منها صوت شخير متصاعد فيلكـزها شـاب أسمر دفعه ضيـق المكان إلى جوارها بركبته في خـبث لتنقض عليه بنظـرة عتاب حادة يهرب منها في مكالمـة هاتف مصطنعة فتتركه لكــــذبته وتنشغل بترتيب كفتين الميزان المقلوبتين داخل الطشت .
- محدش عايز جبنه فلاحى طازة ... و الله طازة .
- حاخد إل معاكى بس على تلاتة جنية الكليو .
- لا يا ختى خليكى مكانك دى مش تمن شليتها .
تتحسس بكفها الخشن كيس النقود الذي تطبق عليه بين بارتفاع نهديها لتتأكد من وجوده على نفس درجة الامتلاء بعد أجبرها ضمور فراغه أن تغادر دفء السـرير لتعيد له بعض الانتفاخ من أجلهم .
- أمه... المدرس عايز كراسة رسم عشان حنرــسم بجرة .
- أمه " عب حميد " مصمم إن التنـجيد يوبا عليـنا.

تغادر باناملها ألوان الكيس المتاخله إلى فضاء نهدها المنسي إلا من لفحة شمس غزت بعض بياضه بطبقة بنية مكتسبة من تكرار جولات النضال مع شوارع المدينة التى خاضتها مرغمة بعد رحيل سريع من الرجل الذي تمنته في عذريتها قبل أن يشبعها حتى بكل لمساته الذكورية .

عودتها لنفسها كأنثى أثارت معها عفريت رجولتي المقهور بين نتطلبات الحياة و عجزى الدائم عليها ... افترش معها الخيال ... حرارة الفراش .. تقاطع بالمشاعر ... صعود و هبوط ... لكن نظرة مصعوقة منها تراشقت بغيظ مع شرود نظرتى داخلها دحرت فى عقلى الثائر الشكل المفترض اللنهاية ... تعيد الدبوس الكبير المتدلى كحارس خاص على ما تبقى لديها من تركيبة الأنثى ... أتصنع عنها الانشغال ... موجة زحام جديدة تقتحم الأبواب ... امتطى الفرصة و أتوارى بينهم لعلى أخمد شرارة نظرتها المتوجسة على ملابسهم المشبعة بماء المطر وأحاديثهم المتداخلة المصحوبة بدفعات البخار الساخن ... أمنح نفسى بعض مبررات شرقية معروفة .
- زعلانة ليه ... ؟ ما هي ال كانت فتحاه .
- آه.... من كهن الستات .

التوى بالجذع وأتضاغط بالضلوع .... بلكزة قانونية أصنع لنفسى مكانا بين الواقفين قرب الباب فلا داعى لاستكمال المواجهة معها .... يصفعني الهواء البارد المصاحب للقطار المعاكس ... أتراجع للوراء بسرعة داخل مساحة راكب أخر ... اتشبث أكثر ... فأنا لا أريد أن أغــــادر الحياة و هى خطئيتى غير المرتبة ... اندس بتركيز داخل حوارات الواقفين حولي .
- والنبي بطريتين صيني للراديو .
- نص جنيــة يا فـندى .
" أبجد هوز ... ( انقطاع إرسال )...لا يا أحمد مش ممكن ( شوشرة )...وأبو تريكة بيرقص ... ( مارش
عسكري ) ... الســـيدة الأولـى تفتح مــؤتمر " دور الرجل في دعــم و مســاندة المرأة المصرية "
وإليكم التفاصيل ....
- ... أخيرا محطة " الحضرة ".
يلتقطني رصيف المحطة المبلل ... أهرول نحوها بنظرة أخيرة قد تقتنص أى شئ يكمل فضولى ... ألمح ظلا ينبثق تدريجيا من خلفها ... أشير لها بحركات محذرة لكن قبل أن تمتلك ترجمة لعشوائية إشارات يدى .. ينقض بملء يده على الكيس يغتصبه عنوه من بين ضفتي أنوثتها ثم انطلق يجرى عكس صرختها ... تبحـث عـن كلمات بين ذبذبات شفتيها المصدومة ترفض بها ابتعاد الكيس عنها ... تنهال بخبطات فزعة على الفراغ الذي خلفه بفعلته بين نهديها ... الكل يتجمد حولها حتى تلتصق أرواحهم بالمقاعد .... تنطلق تستغيث ... تستنجد .... تشكو ... الكل ملتصق .
- ربنا يعوض عليك .
- شفت ابن الشياطين نط إزاى !!!
- يا عمى بكره تعوضه ... دول برضه بيكسبوا .
دموعها تبدأ بعبرة حارة ثم تتكاثف تشق طريقها على وجه شاحب مهزوم ... عبارات التهوين ذات الصدى النحاسى تنهال على أذنيها
... اتخبط بكذا وجهة داخل ممر حيرة مفتوح .
- أرجع أواسيها ... ؟
- ألحقه عشانها ... ؟
- هل هى فعلا تستحق المخاطرة ...؟
- و من تكون هى ... ؟
رؤوس آسئلتى تصطدم برؤوس أسئلة أخرى ... الزحام حولها يزداد ... ألمحها بصعوبة تتقاطع باختلاج شفتيها المكهربة مع غابة السيقان المحيطة بجلستها الخائرة ... القطار ينتفض بحركته الأولى نحو الانطلاق .. مجوف أنا دون أى قرار يتملكنى عجز قاتل .. القطار يشرع ينسحب بنفس الجلبة الآلية المعتادة نحو محطته التالية تلحقة منى نظرة متابعة مكسورة .

0 التعليقات:

إرسال تعليق