RSS

الأحد، 31 يناير 2010

مينى مام ... ( قصة قصيرة )


كثيرا ما اعتاد على رؤية هذا المـكان و أضواءه الساطعة تواجه بجرأة ظلمة الشاطئ المتوازى مع امتداد طريق الكورنيش الجديد من وراء نافذة أتوبيس ( الوردية ) خلال نوبته اليومية قبل أن يغادر به رفاهية الكورنيش إلى العشوائيات المستكينة بعبئها في الخلف ... لكن هذه مرته الأولى التي يجلس فيها كواحد من رواده رغم وضوح مظهره المتواضع الذي يفرضه عليه دخل الشركة الثابت . بعد أن اختارته مائدة عند أقصى الزاوية ليجلس مع أوراق روايته الأولى .
- أخيرا ... أجلس معهم .
يدور بمقلتيه وراء عدسات نظارته الطبية لعله يجد من بين الشعور المتطــايرة والمقـصوصة المتناثرة في المكان عيونا يقطع معها ( حالة انتظار ) إلا أن يحين موعد ثالث بعد اعتذار مرتين من المخرج المعروف الذي طالما اقتفى أثره من مكان لأخر أمـلا في أن يجعله يرى روايته التي اقتطع لها شهورا من عمره حتى أصبحت الأمل الوحيد له في حياة أخرى .
- لماذا تأخر هكذا ...... ؟
- هذا هو حال المشاهير .
يقبل المبرر الذي يلقيه له عقله ... يعود بهدوء مبالغ يفتش عن شخصياته بين الورق .. الشاب " طاهر " الذي اعتاد أن يتلصص على جارته مع سيطرة الليل .. و " شادية " الزوجة الغانية التي تعلم بتلصصه وفي كل مرة تزيده لهيبا .... لكنه عندما يصل لشخصية للـــزوج الـــثائر الذي يكتشف فـعلة " طاهر " يغلق أوراقه ... يمسح من جديد تلك الوجوة المرسومة .. يجدها فى الزاوية المقابلة تستقبله بنظرة راغبة مسلطة عليه جعلته يدير دفتى وجهه المندهش يمينا و يسارا ... يتأكد إنه المقصود بها.
- هل تجاوزت عن شعيراتي البيضاء التي فاجأتني و أنا مازلت أبحث عن الطريق ..؟
تصر على نظرتها الموجهة إليه ... كاد أن يسمح بميلاد ابتسامة مجاملة لها , إلا أن حكايات صديقه المجرب في الشركة الذي لا يكف عن سرد أساليب المد و الجذر التي تحاصر الأنثى بها كل من ترغبه تجهضها داخل تردد .
- يكفيني ما أعانيه من حصار .
يتصنع الانشغال عنها إلى شخصية الزوج الذي يطارد " طاهر " ليقتص منه بعد أوقعت به " شادية " وهى تتصنع الشرف ... يعود إايها بنظرة متسحبة ... تقابله هى بنظرة سافرة تقصده بلا خجل

- هل ترغب فى فعلا .... ؟
يتنازل بسرعة عن كل الآراء و النصائح التى اكتظ بها ... يبحث داخل جعبته الضيقة عن طريقة يبقيها بها حتى يتجاوز الموعد ثم بعدها سيمتطى صهوة اللحظة معها .. يسلم معها أخر ما تبقى من مفاتيح شبابه .
- ما المانع أن أدعوها ؟؟ - إنه هو نفسه سوف يتودد لي عندما يراها معي .
يشير لها بالاقتراب .... صوت دقات كعبها العالي على الأرضية الرخامية تخترق قدرات اتزانه بنضج أنثوي لم يلمسه إلا في خيال الروايات الأجنبية التي تكاد تستعمر مساحة حجرته في منزل العائلة ... تتسارع بداخله أفكار الموقف الأول ... يقف؟ .. يبتسم ؟... ينحني بأدب ؟ يسلم عليها ؟ يقبلها .... ؟ أم يبدأ معها مباشرة الحياة ؟ لكن عند لحظة القرار يراه ينتصب أمامه بزيه الزاهي ... يسأله بأدب مرسوم
- تشرب إيه يا بيه ..؟
- عندكم إيه ؟
- كل حاجة في القايمة إل قدام سعادتك .
يحاول أن يختزل الحديث الذي جاء في غيره موعده بنظرة هابطة .. صاعدة على أصناف القائمة تلتقط له أى اسم يبعده به خارج سخونة اللحظة .
كريم كرامل ... ( 20 جنية ) .... سلاد فروت ... ( 16 جنية ) ماذا يطلب ... ؟ إنه قد يعمل أياما كاملة بين أوراق لا تتغير ملامحها ليتحصل على رقم شبيه من هذا .... تتجاذبه بقوة برودة المثلجات وسخونة الأسعار تلفحه ... في حين تواصل هى اقترابها بكل ينابيعها شطره .
- أنا كمان مفروض أطلب لها حاجة .
يتذكر نصيبه في مصروف البيت فمعاش والدته لا يستطيع أن يواصل الماراثون الشهري بمفرده .... المرتب يتناقص .... شهرية أخته المطلقة بأولادها .... المرتب يتضاءل ... قسط الجمعية مع زملاء العمل التي يأمل منها أن تذيب بعض جليد العزوبية المتواصل في حياته ... المرتب يتلاشى .
- ماذا سأفعل أيضا عندما يأتى المخرج ؟
- تطلب إيه يا بيه ؟
يلعن داخله اللقب المزيف .... يسقطها مرغما ... تتوقف هى فى منتصف المسافة ... ينحدر بنظرة متكسرة نحو ذيل القائمة .
- هات كوباية شاي سادة .... قالها بكل صوته المخنوق .

0 التعليقات:

إرسال تعليق