RSS

الأربعاء، 13 يوليو 2011

عبد الإله - ( قصة قصيرة )

إهداء ...
صناع مصر الجديدة

بكل تأكيد لن تحدده وسط الكتلة السوداء المصطفة بانتظام تقطع مساحة عرض الشارع ... لكن بحركة ( زوم ) أكبر قد تراه فى الصف الأول من تلك الصفوف المتراصة بتحفزها منذ ساعات الصباح .. هاهى بعض ملامحه الحادة الملفوحة بقسوة شمس الجنوب تـــفر بالصدفة من داخل خوذة معدنية تضاعف حجم رأسه فى حين زيه الأسود " الميرى " وعصا بجواره تنافسه فى الطول تكتمل باقى هيئته التى ارتدت مطلع سنواته (الشابة) كفرد أمن مركزى.. لكنه حقيقة قبل اليوم لم يشغل باله من قبل بأن يجد أى اختلاف بين وقوفه اليومى منذ سنتين فى طـــابور تحيـــة القائد صباحا و بين انضامه لطوابير " العمال السريحة " منذ أن تعرفت قدميه على شوارع العاصمة ... إلا من بعض الشجار القصير مع زميل أخر حول أحقية الوقوف بجوار نافذة سيارة النقل الضخمة رغبة فى أن يقتنص بعضا من الحياة المدنية بينما تدهس هى الشوارع بعجلاتها الكبيرة قبل أن تلقى به أمام كتلة غاضبة .

اليوم جاؤا إلى هنا ...
- مجند " عبد الإله "... اجمع هنا.
ركـــب الحرف الأخير للأمر بخطوة سريعة متجها نحو " القائد " الذى يسير ذهابا وإيابا يتباهى أمام عين الشمس بعدد النجوم المستريحة على كتفيه.
- تمام يا فندم .
- خليك دايما ورايا .
بشحنة فخر تراجع خطوتين أمام انسحاب فراغ مناسب له بين مجندين يأكلانه بعيون الغيرة فالقائد منذ أن أدرك مهارته الخاصة فى استخدام العصا يجعله يتبع ظله .

الوقت يستطيل و يتمدد ...
يحاول أن يريح حمل جسده بين قدميه تحت وطــأة الانـــتـظار بينما يسلى ملله بترديد خافت لبيـــتين شعريين ساذجين قبل أن يستجيب بكل رضا لذكرى الإجازة الأخيرة وهو يناور بعصاته فى " مباراة تحطيب" فى أحد أفراح قريته وهناك لاحظها تلاحقه بفضول عيناها.. إنها بنت قريته " وردة ".
حتى إنه الآن بات يشـــد خطا يوميا بالطابشور .. يغلق حزمة .. يفتح أخرى بين طبقات الجير المتراكمة على حائط العنبر مع أن القائد يصر على أن يجعله يمد مدة خدمته وراء ظله .

- ( شوشرة لاسلكى ) .... يا باشا العيال ولاد ............. بتقرب من عندك .
- قوة استعد.

مع أمر أخر ....
أسلم حنجرته لصيحة مجمعة خشنة تتوزاى مع إيقاع منتظم لدقات " البياده الميرى " .. شكلت نوعا من موجات الرهبة تتصدى مسبقا لرذاذ هتافات يقترب .
تحفز واضح ..
هناكالقائد تنفلت منه يديه حركة عصبية لتؤكد على استقرار النجوم اللامعة .
يزيد لأجله ... وتيرة صيحته أكثر .

عند المنعطف اشتعل الشارع ...
هاهى تلك الكتلة الملونة التى جذبت جامعى " النجوم " ومربى " النسور " من مقاعدهم بذعر مختلف تقتص بجرأة مساحة تلو الأخرى من الأسفلت المواجه للقــائد .
- هما إزاى مش خايفيين ؟

المسافة بينهما تتضاءل ...
بحركة لاإرادية يحفز تقسيمات عصاته ... يكرر على نفسه ما تعلمه من القائد فى المعسكر ... مخربون ... أعداء الوطن ... أراجوزات للخارج ... الجميع مجرد كتلة , ثم أطلق عصاته تحصد عددا من الأهات الطويلة والقصيرة ... يتفادى عدة هجمات مضادة ... سحب الغاز التى يدفع بها زملاءه تزيل حدود الأشكال من أمامه ... يتوغل فيهم أكثر .
وهتاف منهم بوجع حياة يتصاعد .

لكن مع أول مساحة رؤية جذبت إنتباهه باندفاع عيونها الواسعة مع لافتتها الكرتونية تسعى مع أنفاسها المختنقة أن تشق لها طريقا جريئا نحو القائد ...
هناك
نجوم القائد مازالت تلمع داخل دائرة أجساد سوداء محيطة .

ببعض الانقضاض على الفراغ المتاح واجه لافتتها قاطعا عليها الطريق ... لم تتراجع أمامه ... ببعض مما تبقى فيه من كتاب المطالعة القديم يجتهد أن يفك شفرة لافتتها ( أ ... ر ... ح ... ل ) .
وجه لها عيونه الدهشة .
- سيادة القائد يرحل مرة واحدة ؟
هتفت أمامه باسم ... الوطن .

غضب الكتلة يسكب من ثقب فى السماء

ينشغل عنها بردع عدة أصوات حارة ... الكتلة تزيد عليه مرات ... وجه الأسفلت يشرع يتآكل بسرعة تحت زحف مختلف لم يدربه عليه القائد منذ أن ألصق فى يديه عصا بدأت تأن ممن كثرة الذهاب و الإياب على الأجساد الممتائة بالغضب .. يحاول أن يثبت بما تعلمه .. زملاء العنبر بإجهادهم باتوا يمارسون دور ورق شجر الخريف .
هناك
نجوم القائد ... تكاد تختفى داخل أمواج الغضب .

- عبد الإله ... اثبت .

يحاول حقا أن يلحق بباقى قوته المتسربة مع رحيل النهار متطلبات تنفيذ الأمر ... الكتلة تتـــضاعف حوله تصاعديا... يتوقف أخيرا ..الكتلة أمامه تتفــكك ببساطة لوجوه يكاد يعرفها فى تجوله اليومى بين شوارع المدينة .
هتافاتهم تشبه
لافتاتهم ... تتحدث عنه
ألوان العلم هنا ... أكثر بريقا عن علم المعسكر .

بحث عنها لتعود إلى داخل منطقة دهشته متكورة على الأرض يرتعش جسدها كسحابة على وشك التصدع بينما يتصديها كمين من أخر الوجوه العــابسة لكنها لم تغادر لافتتها بعد .
هناك
القائد يحمل دقات قلبه بين عينيه .

- سيادة القائد ... بيخاف ؟

نظرتها المستنجدة ببعض الرحمة تعيد تشكيل الأشياء بداخله ... يتنازل عن صورة القائد التى تملأ عينه بينما إليها يخترق بجسده المهدود " تشكيل مرعب " ينذر ضلوعها المرتعشة بعاصفة جديدة من الألم .

- اضرب .... با ابن .................
لم يستجب للأمر .
لحظتها بالذات ... زملاء العنبر لم يعرفوه .
هناك ...
رغم الألم ...  بين فراغات السيقان و الأقدام يتابع نجوم القائد تتساقط .



إسلام البارون 13/7/ 2011



0 التعليقات:

إرسال تعليق