RSS
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص قصيرة .. عايشها قلمى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص قصيرة .. عايشها قلمى. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 9 مايو 2013



( 6 )
عبد الإله

إهداء ...
إلى أرواح شباب هزموا الخوف يوم 25 يناير  .

بكل تأكيد لن تحدد مكانه وسط الكتلة السوداء المصطفة بانتظام تقطع مساحة عرض الشارع ... لكن بحركة ( زوم ) أكبر قد تراه فى الصف الأول من تلك الصفوف المتراصة بتحفزها منذ ساعات الصباح .. هاهى بعض ملامحه الحادة الملفوحة بقسوة شمس الجنوب تـــفر بالصدفة من داخل خوذة معدنية تضاعف حجم رأسه فى حين زيه الأسود " الميرى " وعصا بجواره تنافسه فى الطول تكتمل باقى هيئته التى ارتدت مطلع سنواته (الشابة) كفرد أمن مركزى.. لكنه حقيقة قبل اليوم لم يشغل باله من قبل بأن يجد أى اختلاف بين وقوفه اليومى منذ سنتين فى طـــابور تحيـــة القائد صباحا و بين انضامه لطوابير " العمال السريحة " منذ أن تعرفت قدميه على شوارع العاصمة ... إلا من بعض الشجار القصير مع زميل أخر حول أحقية الوقوف بجوار نافذة سيارة النقل الضخمة رغبة فى أن يقتنص بعضا من الحياة المدنية بينما تدهس هى الشوارع بعجلاتها الكبيرة قبل أن تلقى به أمام كتلة غاضبة .

اليوم جاؤا إلى هنا ...

- مجند " عبد الإله "... اجمع هنا.

ركـــب الحرف الأخير للأمر بخطوة سريعة متجها نحو " القائد " الذى يسير ذهابا وإيابا يتباهى أمام عين الشمس بعدد النجوم المستريحة على كتفيه.

- تمام يا فندم .
- خليك دايما ورايا .

بشحنة فخر تراجع خطوتين سمحت له بتكوين انسحاب فراغ مناسب له بين مجندين يأكلانه بعيون الغيرة فالقائد منذ أن أدرك مهارته الخاصة فى استخدام العصا يجعله يتبع ظله .

الوقت يستطيل و يتمدد ...
يحاول أن يوزع  حمل جسده بين قدميه تحت وطــأة طول الانـــتـظار بينما يسلى ملله بترديد خافت لبيـــتين شعريين ساذجين قبل أن يستجيب بكل رضا لذكرى الإجازة الأخيرة وهو يناور بعصاته فى " مباراة تحطيب" فى أحد أفراح قريته وهناك لاحظها تلاحقه بفضول عيناها.. إنها بنت قريته " وردة ".
حتى إنه الآن بات يشـــد خطا يوميا بالطابشور .. يغلق حزمة .. يفتح أخرى فوق  طبقة الجير الرمادية  على حائط العنبر مع أن القائد يجبره أحيانا على أن  يمد مدة خدمته وراء ظله .

- ( شوشرة لاسلكى ) .... يا باشا العيال ولاد ( .........)  بتقرب من عندك .
- قوة استعد.

مع أمر أخر ....
أسلم حنجرته لتشارك معهم صيحة مجمعة خشنة المخارج تتوزاى مع إيقاع منتظم لدقات " البياده الميرى " .. شكلت نوعا من موجات الرهبة تتصدى مسبقا لرذاذ هتافات يقترب .
تحفز واضح ..
هنا  القائد تنفلت من يديه حركة عصبية نحو كتفيه لتؤكد له على استقرار النجوم اللامعة .
يزيد لأجله ... مستوى صيحته أكثر .

عند المنعطف اشتعل الشارع ...
هاهى تلك الكتلة الملونة التى اقتلعت جامعى " النجوم " ومربى " النسور " من مقاعدهم بذعر مختلف تقتص بجرأة غير معتادة مساحة تلو الأخرى من الأسفلت المواجه للقــائد .
- هما إزاى مش خايفيين ؟

المسافة بينهما تتضاءل جدا ...
بحركة لاإرادية يحفز تقسيمات عصاته ... يكرر على نفسه ما تعلمه عنهم من القائد فى المعسكر ... هؤلاء مخربون ... أعداء الوطن ... أراجوزات للخارج ... الجميع مجرد كتلة , ثم أطلق فيهم عصاته تحصد عددا من الأهات الطويلة والقصيرة ... يتفادى عدة هجمات مضادة ... سحب الغاز التى يدفع بها زملاءه تزيل حدود الأشكال من أمامه ... يتوغل فيهم أكثر .
لكن مع أول مساحة رؤية جذبت إنتباهه باندفاع عيونها الواسعة مع لافتتها الكرتونية تسعى مع أنفاسها المختنقة أن تشق لها طريقا جريئا نحو القائد ...

هناك ..
نجوم القائد مازالت تلمع داخل دائرة أجساد سوداء محيطة .

ببعض الانقضاض على الفراغ المتاح واجه لافتتها قاطعا عليها الطريق ... لم تتراجع أمامه ... ببعض مما تبقى فيه من كتاب المطالعة القديم يجتهد أن يفك شفرة لافتتها ( أ ... ر ... ح ... ل ) .
وجه لها عيونه الدهشة .

- سيادة القائد يرحل مرة واحدة  ؟

هتفت فى وجهة المندهش  باسم ... الوطن .

غضب الكتلة يسكب من ثقب فى السماء .

ينشغل عنها بردع عدة أصوات حارة ... الكتلة تزيد عليه مرات ... وجه الأسفلت يشرع يتآكل بسرعة تحت زحف مختلف لم يدربه عليه الــــــقائد مــــــــــــنذ أن ألصق فى يديه عـــــــــصا بدأت تأن ممن كثرة الذهاب و الإياب على الأجساد الممتلئة بالغضب .. يحاول أن يثبت بما تعلمه .. زملاء العنبر بإجهادهم باتوا يمارسون دور ورق شجر الخريف .
هناك ..
نجوم القائد ... تكاد تختفى داخل أمواج الغضب .

- عبد الإله ... اثبت .

يحاول حقا أن يلحق بباقى قوته المتسربة مع رحيل النهار لاستكمال متطلبات تنفيذ الأمر ... الكتلة تتـــضاعف حوله تصاعديا... يتوقف أخيرا..الكتلة أمامه تتفــكك ببساطة لوجوه يكاد يعرفها فى تجوله اليومى بين شوارع المدينة .
هتافاتهم تشبه لافتاتهم ... تتحدث عن القائد بقسوة .
ألوان العلم معهم هنا ... أكثر بريقا عن علم المعسكر .
بحث عنها لتعود إلى داخل منطقة دهشته و هى متكورة على الأرض يرتعش جسدها كسحابة على وشك التصدع بينما يتصديها كمين من أخر الوجوه العــابسة لكنها لم تغادر لافتتها بعد .
هناك
القائد يحمل دقات قلبه بين عينيه .

- سيادة القائد ... بيخاف ؟

نظرتها المســــــتنجدة ببعض الرحمة تعيد تشكيل الأشياء بداخله ... يتنازل عن صورة القائد التى تملأ عينه وهو يخترق نحوها بجسده المشدود  " تشكيلا مرعبا " ينذر بكل يقين ضلوعها المرتعشة بحملة جديدة من الألم .... يغطيها بسمرته .

- اضرب .... با ابن .................

لم يستجب للأمر .
لحظتها بالذات ... زملاء العنبر لم يعرفوه .

هناك ...
رغم الألم  الذى يجمعهما معا .
...  يتابع معها بين فراغات السيقان المتشابكة فوقه
نجوم القائد
تتساقط .....

الأربعاء، 27 يونيو 2012

صفر شمال - مجموعة قصصية لإسلام البارون


" صفر شمال " .. مجموعة قصصية من تأليف إسلام محمد محيى الدين إبــــــــــــراهيم - ( إسلام البارون ) - تتضمن قصصا قصيرة يبلغ عددها  16 قصة تتنوع من رصد حياة و أحلام و آلام فى الحياة المصرية عبر شـــــــــــــــخصيات المجموعة .. كما تتجاوز المجموعة الوطن لترصد حياة و أمل و معاناة فى فلسطين الأسيرة برؤية قصصية تتضمن قسمين ( بعض من حياة ... بعض من وجع ) التى تشمل كلا من ...
( 1 ) بعض من .... حياة
- خطوته الجديدة
- مينى مام
- نصف جنازة
- رحيل جديد
- حصة جغرافيا
- عبدالأله
- قصص قصيرة  جدا - ( أفعال ).
- صفر شمال .
( 2 ) بعض من .... وجع
-  و هى لم تعد تسأل .
- معايشة .
- زفاف على طريقة المخيم .
- أنامل تعزف بالألم .
- الأمن مستتب .
- كيس رمل من أريحا .
- رغم ان جولدا ستغضب .
-  نجمة  أبله أمل  .

أر جو ان تجدوا فيها متعتكم ... و ان التقى ارائكم الكريمة 
وسوف أقوم برفع روابط مباشرة لقراة النسخة الالكترونية من المجموعة كاملة 
و شكرا لكل من قام على انجاح هذا العمل 
و لكل ابطالى و شخصياتى 

إسلام البارون 
 

الخميس، 29 مارس 2012

قصص قصيرة جدا - ( 2 )

قصص قصيرة جدا – ( 2 )


( أفعال )

- تنتظر ...
- يبتسم ...
- يرقص
- يولد ...
- يحكى ...

قصة قصيرة ( 1 )

- تنتظر ....


منذ أن تسلمت رسالته المختصرة جدا ... خطوط يدها المنكمشة لم تترك للحظة الموبايل يستريح من رعشة خفيفة متواصلة صاحبتها منذ نوبة المرض الأخير .

... خرس المكان يستبيحه ( مقطع أغنية ) يشق طريقه بضعف بين خروشة الإرسال

- ( ست الحبايب يا حبيبه ... يا أغلى من روحى و دمى ) .

سيأتى حقا ... أم ؟

.. دقات الساعة المتواصلة فى الفراغ
تجيب .

قصة قصيرة ( 2 )

- يبتسم ..

فى نفس المكان اليومى ... تكومت على الرصيف و اسقطت صورته المقــطوعة بشريط الحداد فى حجرها .. بعض فضول نظرات المارة يشتبك بخجل مع نظرة غاضبة له .. سيارات الكبار تأتى تتوالى فى قطع المــشهد أمامها تدخل المبنى المقابل دون أن تلحظها .

.. فقط بقايا سحابة الغبار المصاحبة لهم تفقلها هذه المرة كتلة ساخنة متداخله

تقترب من بعيد ... تهتف

هنا ...

وجدته يبتسم جدا .


قصة قصيرة ( 3 )

- يرقص ....

- حضرتك / ... سيادتك .. / رؤيتك .

كلمات المذيع تجعله ينتفخ سريعا أكبر من محيط الشاشة ...
يتلون
يتحول
يحذف بعض التاريخ
و يرقص علينا .... ببعض الجمل .


قصة قصيرة ( 4 )

- يولد ...

أثاروا دهشته جدا ... و هو يتنقل بساقيه العاريتين فى مساحة الفراغات القليلة المتاحة بين أجسادهم المكورة و الممده باجهاد تغـــطى برودة رصيف الميدان رغم ( مظهرهم المختلف بدرجات ) عن طبـــــــــــــقة الســــواد المكتسبة من حياة الشارع التى ترافق ملامحه .

توقف
تكوم بينهم ...
لم يعترض أحد .
فبات ينتظر بشغف عودة الصباح ...
كى يهتف معهم .


قصة قصيرة ( 5 )

- يحكى ...

هم مثله ... تجمـــــعوا حول بدلته العسكرية ( المموهة ) ... مررت ذهابا بجواره .. صادفت جزاءا من القصة يضع أمامهم أقزام منهم يتطالون و أبطال يضمرون .

... رجعت أيابا
اسمعه يلصق على أذانهم بصوته المنفعل مبررا ... لماذا أسقط شابا ينزف .
و هم يتجمعون الآن حوله بشغف .
اكبر .

إسلام البارون
29 / 3 / 2012

الاثنين، 26 مارس 2012

قصص قصيرة جدا - ( 1 )


قصة قصيرة ( 1 )


- قدر -

.. بفـرق لحظة تـوازت مع رفـاهية سيارته الممطوطة بهيكل سـيارتها الصغير المجـهد عند رأس الخـط الأبيض المتـناقض عن عمد مع سواد الأسفلت .. ينال زجـاج سيارتها الأمامى بـعض الانعـــــكاس الأحمر المنسكب بغزارة أكثر على زجاجه الغامق للعد التنازلى لإشارة التوقف ...

- نظرة لها دون ترتيب .
- نظرة إليه مصادفة
- نظرة مهتمة
- نظرة مرحبه بخجل .
... غمرهما سريعا اللون الأخضر .

قصة قصيرة ( 2 )

- ثورة مضادة -

( و لسه مصر هتشوف أيام سودا )

قالها ببجاحه ... ضمن تخريف أكبر يتوسط به الشاشة كل مساء .. االبعض الساذج يستمع .. لكنه قرر دونهم أن يضغط بعصبية أزرار ( الريموت كنترول ) ... بعيدا عن وجهه الرزيل .

( أغنية .. مسرحية .. فيلم قديم )
لكنه ..
لا يتخلص من البقعة السوداء التى تتوسط الشاشة .
بل تزيد ...


قصة قصيرة ( 3 )

- أغنية -

يخرج ساقيه بعد مدة انكماش خلف المقود ليجاور سيارته الساكنة المصطفة فى نهاية طابور انتظار الوقود الذى يأكل بطوله ضعف مساحة الشارع .. ثبات فى المكان .. تحرك سريع فى الوقت .

.. انتهى من كل حيل التهام ملل الانتظار .
يتذكر - أغنية - على هاتفه المحمول جاءته صدفه .

- ( طاطى طاطى .. أنت فى بلد ديمقراطى ) ...

يحاول أن يتماشى معها للحظة بانجناءة خفيفة مازحا مع نفسه .
يتفاجئ ..
بأن وجهه اصطدم مباشرة بسواد الأسفلت .


قصة قصيرة ( 4 )

- خبر 1 .. خبر 2 -

أقرأ خبر ... ( توفى اليوم الطفل حمزة بأثر عملية جراحية بعد صراع مع مرض السرطان ) .. تجاوره صورة تضج ببراءة طفولية صريحة .
أحاول أن أحزن كما يطلب الخبر
اكتشف ... بأن كل حزنى قد امتلأ مسبقا .

-

أقرا خبر ... ( سما طفلة مفقودة من أهلها منذ عام و نصف ) .. بجواره صورة تستعير كل براءة حمزة من أعلى الصفحة
اقترب بنظرى - أحاول أن أجمع تفاصيل ملامحها ..
لكنها تتسطيل و تتمدد
.. بحجم الوطن .


قصة قصيرة ( 5 )

- مترددة -

... كأنه كان يعـلم نصف حديثها مسبقا .. فتح الهاتف كالعادة وأعطاها نصف أذن ... أفرغت فيه استرسال حلما حماسيا و رغبة فى التغيير و بعض المشاريع المتداخله كالعادة .. ثم أغلقت الخط معه .
لم يجتهد حتى فى أن يتذكر حديثها
.. و انتظر منها مكالمة أخرى .... بحماس أقل .
بعد قليل .

إسلام البارون
24 / 3 / 2012





















الخميس، 22 سبتمبر 2011

نصف جنازة - ( قصة قصيرة )



1-
لم يشغل باله كثيرا بتحديد السبب الذى جعله يستسلم لخطوته المسرعة عن قصد تـلحق بالصف الأخير لتلك كتلة المنسحبه فى صمت لا يخلو من بعـض همهمات متحسرة تتناسب نبرتها المنخفضة مع ارتفاع ذلك الصـندوق المحمول أمامها على الأكتاف بدلا من أن يعود بهمه المطبق على ضلوعه لغرفته الضيقة فى الشارع المختق على ذاته .
ليدرك بنظرة واحدة أثر عبء ساعات القلق على وجه والده الذى لاعبه مرض الكبر .

حزن ملامحه منحه حق الانضمام للمشهد الغارق فى طبقات الآسى ليخترق معهم سكون مدخل باب ( النص) فى مقابر العمود التى كثيرا ما اعتاد على جرأة ارتفاع بعض رؤوس شواهدها المتلاصقة وهى تطل بوحشيتها من فوق سورها الأبيض المغبـر بضجيج مرور ( الترام الأصفر ) الذى يأن هيكله المتهالك تحت زحام أجساد تشتهى فى أعماقها لحظة الرقاد .. قد يكون يعرفهم أيضا أغلبهم .
حتى وصلات النواح والنحيب خلف الجنازات أعتاد أن يسمعها بنصف أذن .. نصف عين .. نصف قلب وهو منهمك يتجمع و يــنفرد بسنوات المراهقة والشباب على (فرش) الملابس الرخيصة الخاص بوالده فى سوق منطقة ( الساعة ) المواجه
لها بصخب حياة واضح .

2-

فقط أكد بضغطة عصبية على استمرار وجود الظرف المقسوم نصفين تحت ابطه والذى على ما يبدو قد فشل بحركة متعجلة أن يخفى طرفه الأصفر (الحكومى ) ..
حيث اعتاد على رفقة اكتظاظ أوراقه الرسمية الخاصة به فى كل مرة يرهن نفسه مـــنذ ساعات الصباح فى طابور الانتظار خلف ( أى ) فرصة عمل قبل أن يعود فقط ومعه قدمين منتفختين ... حتى هذه المرة له قد تكون المرة ؟؟ ... ( حقيقة لم يعد يريد أن يتذكر ) .

- يا ناس ... أنا معايا شهادة هندسة - بتقدير جيد .
- معاك كارت لحد مهم ؟

أحيانا كان يندهش .. يزوم ... يبرر ... يبرطم .... وأخيرا بات لا يقاوم ابتسامة ساخرة مقهورة تنفلت منه غصبا عند الإجابة عليهم .

3-

يحاول النفاذ بين مسافات الفراغ بين المشيعين ... يتماشى مع المدقات الترابية ... يتجاوز لوحة رخامية مذيلة بتاريخ موت قديم ...أحيانا يركب بخطوته المصممة ركام قبر على وشك النسيان .. هاهو خلف الصندوق المغطى بالأخضر .

- بس هو مين إل مات ... ؟

- إيه ... دنيا فانية
- كان راجل طيب و الله .

تراشق جمل التهوين يتسع داخل الكتلة ... عرف عنه إنه غادر الحياة بهدوء و لولا صرخة ابنته الممطوطة كالعادة فى هذه الأحوال لما عرف أحد برحيله .

- يا ترى كان معاه كارت حد مهم ؟

كتم فى صدره سخريته المرة ..حتى إنه اختار أن يتجاوز الصندوق وكتلة المشيعين إلى هناك عند القبر المفتوح عند تلك الربوة رغم ملاحظته بضع نظرات انتقاد
... تتبعه .

4-

استغل اندماج ( التربى ) فى استكمال ( طقوس الاستقبال ) الأخيرة حول المستطيل المفتوح قبل وصول الصندوق القادم من العمق ليعبأ نفسه برؤوس أسئلة ... هل هو غادر الدنيا بعد أن وجد نفسه ؟ ... هل جاء فى زمن بلا طوابير انتظار ؟ ... هل غدرت بسواد شعره شعيرات القلق ... ؟ هل أحس فعلا بأن سقف الغرفة يهبط كل ليل تحت وطأة زفرات الضيق ؟

- نفسى يا بنى أجوزك وافرح بيك .
- يابا ... محتاج كارت لحد مهم الأول .
عجز والده عن تلبية تلك الأمنية الصعبه استعاض عنها بعادة تفسير رؤيا نتيجة صلاة (استخارة ) بأن الأحوال ستكون على ما يرام مع كل مقابلة ... يذهب .. ينتظر .. ينتفخ ... ينصهر .. ثم يعود بانكساره إلى ( فرش ) الملابس الرخيصة .

- يا باشمهندس ... الا إل لا مؤاخذة الكمليزون ده بكام ؟ .

أشكال ناعمة تراوده حتى فى منامه .. بينما هو بات يتــأكد كل يوم أكثر من أن حقيقة ( لعنة ) ضعف حاله تجعله أكثرا التصاقا بهذا الفرش الذى بات يـــكرهه ... واليوم بالذات أمام سيل الكروت المصاحبة لرفقاء الطابور إلا هو ... آمن بها أكثر.

الصندوق هنا ...

أياد تتسارع لتكشف عن جسد ضئيل يحتويه ( الأبيض ) ... بجواره تسقط من الصدمة نقطة ســوداء تتكوم وهى تدمج وجهها فى حجرها مع نحيب متواصل لا يسمح بمرور الفـــراغ .. ببرود التعود ( التربى ) الغاطس داخل المستطيل يستقبل بداية الجسد المتراخى .
بينما هو يحاول البحث عن موقع رؤية أفضل لإجابات أسئلته .. هنا أطل عليه وجه الجسد الممدد فى الأسفل بعد أن خطت عليه حياة طويلة لكنها لم تهزم بعد سواد الشعيرات المرتبة رغم الموت والأكثر منها تلك الابتسامة الخفيفة التى أدركها على خلجات الوجة البارد المكرمش .

- أكيد كان معاه كارت واحد مهم .

يحاول أكثر من مرة أن ينسخ تلك الابتسامة إلى خلجات وجهه النافرة من ثورة غضب متراكمة .. يفشل ... يضم ضلوعه ألما حتى يدرك مرة أخرى وجود الظرف الذى باتت تتوسطه شبه دائرة من عرقه الذائب من وهج الانفعال ... تراجع به خطوتين ... تراودة بالقرب فتحة متهاوية لقبر يكتسحه السواد .

- يا أيتها النـــفس المطمئنة ارجعى إلى ربــــك راضية مرضية و ادخلى فى عبادى
وأدخلى جنتى .
.... بدون تردد أسقط فيها ظرفه الأصفر .


دعوات الختام ...
صوت الفأس تعيد ما بدأته .
أجساد تتهادى فى السواد تغادر الربوة بثقل فى شبه طابور
,,,, و هاهو يتقدمهم

إسلام البارون
7/9/ 2011

الأربعاء، 13 يوليو 2011

عبد الإله - ( قصة قصيرة )

إهداء ...
صناع مصر الجديدة

بكل تأكيد لن تحدده وسط الكتلة السوداء المصطفة بانتظام تقطع مساحة عرض الشارع ... لكن بحركة ( زوم ) أكبر قد تراه فى الصف الأول من تلك الصفوف المتراصة بتحفزها منذ ساعات الصباح .. هاهى بعض ملامحه الحادة الملفوحة بقسوة شمس الجنوب تـــفر بالصدفة من داخل خوذة معدنية تضاعف حجم رأسه فى حين زيه الأسود " الميرى " وعصا بجواره تنافسه فى الطول تكتمل باقى هيئته التى ارتدت مطلع سنواته (الشابة) كفرد أمن مركزى.. لكنه حقيقة قبل اليوم لم يشغل باله من قبل بأن يجد أى اختلاف بين وقوفه اليومى منذ سنتين فى طـــابور تحيـــة القائد صباحا و بين انضامه لطوابير " العمال السريحة " منذ أن تعرفت قدميه على شوارع العاصمة ... إلا من بعض الشجار القصير مع زميل أخر حول أحقية الوقوف بجوار نافذة سيارة النقل الضخمة رغبة فى أن يقتنص بعضا من الحياة المدنية بينما تدهس هى الشوارع بعجلاتها الكبيرة قبل أن تلقى به أمام كتلة غاضبة .

اليوم جاؤا إلى هنا ...
- مجند " عبد الإله "... اجمع هنا.
ركـــب الحرف الأخير للأمر بخطوة سريعة متجها نحو " القائد " الذى يسير ذهابا وإيابا يتباهى أمام عين الشمس بعدد النجوم المستريحة على كتفيه.
- تمام يا فندم .
- خليك دايما ورايا .
بشحنة فخر تراجع خطوتين أمام انسحاب فراغ مناسب له بين مجندين يأكلانه بعيون الغيرة فالقائد منذ أن أدرك مهارته الخاصة فى استخدام العصا يجعله يتبع ظله .

الوقت يستطيل و يتمدد ...
يحاول أن يريح حمل جسده بين قدميه تحت وطــأة الانـــتـظار بينما يسلى ملله بترديد خافت لبيـــتين شعريين ساذجين قبل أن يستجيب بكل رضا لذكرى الإجازة الأخيرة وهو يناور بعصاته فى " مباراة تحطيب" فى أحد أفراح قريته وهناك لاحظها تلاحقه بفضول عيناها.. إنها بنت قريته " وردة ".
حتى إنه الآن بات يشـــد خطا يوميا بالطابشور .. يغلق حزمة .. يفتح أخرى بين طبقات الجير المتراكمة على حائط العنبر مع أن القائد يصر على أن يجعله يمد مدة خدمته وراء ظله .

- ( شوشرة لاسلكى ) .... يا باشا العيال ولاد ............. بتقرب من عندك .
- قوة استعد.

مع أمر أخر ....
أسلم حنجرته لصيحة مجمعة خشنة تتوزاى مع إيقاع منتظم لدقات " البياده الميرى " .. شكلت نوعا من موجات الرهبة تتصدى مسبقا لرذاذ هتافات يقترب .
تحفز واضح ..
هناكالقائد تنفلت منه يديه حركة عصبية لتؤكد على استقرار النجوم اللامعة .
يزيد لأجله ... وتيرة صيحته أكثر .

عند المنعطف اشتعل الشارع ...
هاهى تلك الكتلة الملونة التى جذبت جامعى " النجوم " ومربى " النسور " من مقاعدهم بذعر مختلف تقتص بجرأة مساحة تلو الأخرى من الأسفلت المواجه للقــائد .
- هما إزاى مش خايفيين ؟

المسافة بينهما تتضاءل ...
بحركة لاإرادية يحفز تقسيمات عصاته ... يكرر على نفسه ما تعلمه من القائد فى المعسكر ... مخربون ... أعداء الوطن ... أراجوزات للخارج ... الجميع مجرد كتلة , ثم أطلق عصاته تحصد عددا من الأهات الطويلة والقصيرة ... يتفادى عدة هجمات مضادة ... سحب الغاز التى يدفع بها زملاءه تزيل حدود الأشكال من أمامه ... يتوغل فيهم أكثر .
وهتاف منهم بوجع حياة يتصاعد .

لكن مع أول مساحة رؤية جذبت إنتباهه باندفاع عيونها الواسعة مع لافتتها الكرتونية تسعى مع أنفاسها المختنقة أن تشق لها طريقا جريئا نحو القائد ...
هناك
نجوم القائد مازالت تلمع داخل دائرة أجساد سوداء محيطة .

ببعض الانقضاض على الفراغ المتاح واجه لافتتها قاطعا عليها الطريق ... لم تتراجع أمامه ... ببعض مما تبقى فيه من كتاب المطالعة القديم يجتهد أن يفك شفرة لافتتها ( أ ... ر ... ح ... ل ) .
وجه لها عيونه الدهشة .
- سيادة القائد يرحل مرة واحدة ؟
هتفت أمامه باسم ... الوطن .

غضب الكتلة يسكب من ثقب فى السماء

ينشغل عنها بردع عدة أصوات حارة ... الكتلة تزيد عليه مرات ... وجه الأسفلت يشرع يتآكل بسرعة تحت زحف مختلف لم يدربه عليه القائد منذ أن ألصق فى يديه عصا بدأت تأن ممن كثرة الذهاب و الإياب على الأجساد الممتائة بالغضب .. يحاول أن يثبت بما تعلمه .. زملاء العنبر بإجهادهم باتوا يمارسون دور ورق شجر الخريف .
هناك
نجوم القائد ... تكاد تختفى داخل أمواج الغضب .

- عبد الإله ... اثبت .

يحاول حقا أن يلحق بباقى قوته المتسربة مع رحيل النهار متطلبات تنفيذ الأمر ... الكتلة تتـــضاعف حوله تصاعديا... يتوقف أخيرا ..الكتلة أمامه تتفــكك ببساطة لوجوه يكاد يعرفها فى تجوله اليومى بين شوارع المدينة .
هتافاتهم تشبه
لافتاتهم ... تتحدث عنه
ألوان العلم هنا ... أكثر بريقا عن علم المعسكر .

بحث عنها لتعود إلى داخل منطقة دهشته متكورة على الأرض يرتعش جسدها كسحابة على وشك التصدع بينما يتصديها كمين من أخر الوجوه العــابسة لكنها لم تغادر لافتتها بعد .
هناك
القائد يحمل دقات قلبه بين عينيه .

- سيادة القائد ... بيخاف ؟

نظرتها المستنجدة ببعض الرحمة تعيد تشكيل الأشياء بداخله ... يتنازل عن صورة القائد التى تملأ عينه بينما إليها يخترق بجسده المهدود " تشكيل مرعب " ينذر ضلوعها المرتعشة بعاصفة جديدة من الألم .

- اضرب .... با ابن .................
لم يستجب للأمر .
لحظتها بالذات ... زملاء العنبر لم يعرفوه .
هناك ...
رغم الألم ...  بين فراغات السيقان و الأقدام يتابع نجوم القائد تتساقط .



إسلام البارون 13/7/ 2011



الاثنين، 31 مايو 2010

الأمن مستتب - ( قصة قصيرة )


إهداء :
إلى روح كل شهيد اغتيل بيد ( أخيه ) على الحدود المصرية – الفلسطينية

( 1 )

لولا بصيص الضوء الذى تجرأ على هتك طبقات الليل الكثيف بشعاع أصفر ممطوط ليتلامس بمنتهى طرفه الأخير مع نافذه كابيته الخشبية المطلة من ارتفاعها بزوايا رؤية مفتوحة على الجانب الأخر أثناء مناوبته الدورية للمراقبة ... لما استطاع أن يتعامد بقلمه المحشو بالكلمات التى انشـــغل بترتيبها و تخزينها داخل ثنايا عقله طوال النهار على سطور ورقة تنتظر فى جيب سترته بمساحة فراغها كى تعانق سطورها كلماته الملهوفة ... تخير رأس المقدمة .
والدى الحبيب / ...
... بعدها .
إنهال بكلمات جائعة التهمت فى طريقها عدة سطور صاغ بها .. لحظات .. مواقف ..حزمة أيام عبرها وحده منذ ان غادر بسنه القانونى جلسته المفضله فى ( تعريشه الخوص ) القائمة على قيراط الأرض الذى يمنحهم - حيواتهم السبعة .
... أشار فى جملة لبعض معاناة جديدة ...عكس بقفرة مضادة تحمل صلب يطمئن ... خفف وطأة كلامه الجاد بموقف ضاحك لكنه لم يقو أن يخف نوبات شوق تجتاح خلاياه يتمنى فيها أن يراه من جديد ..(شوشرة آلية ) تنفث بحشرجة مكهربة من جهاز اللاسلكى ... يتذكر سبب وجوده ... يركن قلمه وورقته سريعا ... ينهض منتصبا يمسح بنظرة متفحصة الجانب الأخر .
يراهم كما تركهم داخل كوفياتهم المنقطة يندمجون فى ظروف حياتهم المختلفة وراء النقطة الحدودية حيث يقف ...( شوشرة و صوت رسمى رتيب)

- إيه الوضع عندك يا دفعة ؟
- الأمن مستتب ... يا فندم .
,,, سريعا غادره صاحب الصوت وراء جملته التقليدية التى اعتاد على ترديدها له فى كل مرة ... الصمت عاد إليه ... تجمع فى الزاوية .. قلمه ... ورقته .. ثم حرر أخر كلمة توقف فيها .
... شرع يمزج منها مشاعره وأفكاره و يومياته قبل أن يضربه من الخلف نفس الهاجس الذى يجعله يتلفت حول نفسه داخل رجفة تمضى بحرية داخل جسده المتوتر .
- هل يخبره ... ؟ هل يتقاسم معه هذا السر المخيف ؟
حسم أمره ...
" والدى ... الأرض هنا بتتنفس طول الليل "
قالها له بكل تأكيد ...
رغم أن – زملاءه القدامى فى (المعسكر ) باتوا يضحكون عندما يخبرهم بأن هناك فعلا أنفاس تعبر تحته و أحيانا تلسعه حرارتها داخل برج المراقبة من كثرتها .. وجد أن الكل يعرف ذلك ... قائده يقول / الحل إننا يجب أن تكون أيضا فى باطن الأرض حتى تحترمنا تلك الأنفاس .
قبل أن يتركه يعود وحده ..ليقف فى مكانه .

( 2 )

اندماجه بين محتوى رسالته ... أسقط منه عداد الوقت بينما يحاول أن يضغط خطه أمام زحام قصص قد تشبع رغبة والده الذى أصر على أن يجعله يكتب له رسالة أسبوعية تطمئنه عليه .. فهو ( البكرى الغالى ) كما تخير أن يلقبه دوما .
جملتين أخرتين له ...
ثم تذكر بقوة نظرتها الخجلة قبل أن ينضب منه بياض السطور ... ( دفعة صفا ) ... تخيرها فى أجازته الأخيرة من كل بين بنات القرية لتملأ قلبه البكر .. ( دفعة انتباه ) .. وعدها بأن يكمل بها للأبد ضلعه الناقص بعد أن منحه والدها موافقة مباشرة ... يذهب بشرود هائم إلى مخزون .. نظرتها .. ابتسامتها ... لهجتها . لكن تهاوت منه مع فزعة مفاجئة رغبة تذكر لون عينيها .
... تمدد بدهشته واقفا فى المنتصف ... دفعات مضغوطة من صرخات هائجة تحتاج جنبات كابينته بعنف ... اندفع للنافذة يستطلع .. يحمل دقات قلبه فى عينيه ... كتل بشرية يفترش ملامحها غضب عاصف تأتي نحوه من الجانب الأخر .. ( شوشرة و صوت رسمى متلاحق )
- فيه إيه يادفعه عندك ؟
- فوضى .. يا فندم .
- اثبت مكانك ... استنى التعليمات .
- تمام يا فندم .
يتشبث بمساحته ... ينتظر بنظرة مصلوبة علي وجوهم المنفقله من الإنفعال و هم مازالوا يحملون صباحا ممزقا فى أعينهم ... يرونه .. يصبون على شخصه .. أرضه .. وطنه مصهور صدورهم
- لماذا ... ؟
لم تسعفه إجابه منطقية ... فهو كثيرا ما ألقى عليهم تحية المساء ... حتى إنه أكد على والده المحنى بسنينه السبعين أن يتذكرهم بدعاء حقيقى قد يخرجهم من معادلة الصفر .. الغضب يتصاعد عليه ... دهشته تتكور داخل صدره ... البعض منهم يزحف على الأسوار .. ملامحهم تتبدل بقسوة أمامه ...( شوشرة و صوت منفعل )
- مين إل بيهاجمك يا دفعه ؟
- الظاهر أخويا يا فندم
- مين إل بيهاجمك يا دفعه ؟
- أبويا يا فندم
- مين إل بيهاجمك يا دفعة ؟
- ابن عمى و أمى يا فندم
- اثبت ... و اضبط النفس ... استنى التعليمات .
تبقى من الرسالة سطر فارغ ...
والده كثيرا ما حدثه بأن العدو الوحيد لنا لا يرتدى كوفية ... كوفيات تتلاحق على الأسوار ... تزحف على سيادته ... تمطره أحجار معكوسة الاتجاه ...
- هل أخبره بأن العدو .... يضحك الآن ؟
لحقته فى غمرة سؤاله نقطه حمراء مهزوزة تصر على أن تشتبك مع لون بذته خدمته المموه .. يتراجع .. يحاول أن يتفادها .. تلحقه ... بين ضلعى زاوية يحاول أن يستر سنين عمره ... فروق ألواح الخشب القلقة تكشفه ... يصرخ بأنه ليس المقصود هنا ... فهو خرج فى مظاهرة لهم ... هتف لهم .. و رفع لهم علم ... يحفظ التاريخ مثلهم .
لكن يبدو أن النقطة الحمراء لم تفهم وهى تتوقف عليه بتركيز .
" حاشية "
رأيت اليوم والده فوق عكازه العتيق ... يمسك بورقه سلمها له أحد جنود المعسكر أثناء تسليم باقى متعلقاته ... يدور بخطى مهدودة شوارع القرية الثقيلة .. يقف مع كل شاب يطلب منه أن يفسر له الرسالة .. الكل يعجز أمام ثلاث بقع حمراء داكنة افترشت قلب الرسالة .

الأربعاء، 12 مايو 2010

فاصل ... ( قصة قصيرة )


( 1 )

أجسادهم المندفعة ..
عند رؤوس الشوارع أخذت معها خطوط جسدى النحيل داخل كتلة ساخنة تنفلق منها رائحة العرق دون رغبة خالصة فى أن انضم لمسيرتهم التى تنهب أزقة الحى بخطى ضاعت هويتها .. تترامى من حناجرهم كلمات مسجوعة غاضبة .. تناثرت .. شكلت نوعا من الاحتياج
- " إسلامية..... إسلامية..... لا سنية ....... لا شيعية ".
هتفت معهم مرتين .... لكن مع أول انعطاف تخليت عنهم .. أشعل سيجارة رخيصة يتآكل قلبها بسرعة بينما أفكر فى طريق مختصر للعودة إلى زوجتى حيث تركتها فى غرفتنا الأرضية ... الطريق ينحدر مع خطوتى ... شاب يطلق فرشته المبللة بلون أحمر على حائط مجاور بجملة شهيرة " إذا أراد الشعب يوما الحياة .. فلا بد أن ... " .. قبل أن يكمل نهايتها ينفجر فجأة فى وصلة بكاء مسموع
- هل لا يستجيب له القدر ... ؟
مناظرهم المتداخلة بالعباءات السوداء والكوفيات المنقطة على البعد ... تجعلنى ابتعد أكثر و فى صدرى ضحكة مكتومة حين أتذكر رقصتهم الجماعية يوم سقوط الوطن تحت أقدام جحافل أصحاب القبعة ..أساير تعرج الطريق الترابى الضيق .. ملصقات تقابلنى عند رأس كل شارع تبيع أى شئ مقابل أى شيئ
- " منزل لعائلة .... سيارة صالحة للسفر ... أرملة تبيع يوما ... شابة تبيع جسدا "
أدفع بغيظى إلى عقب سيجارتي ... وابتعد عنهم أكثر .
بقية منهم يغمرون الطريق الموازى بسيل أخر من حناجر مشــــــروخة من شدة الهتاف ... أتوقف خشية التصاق أخر معهم ... أرى بينهم مناديل ورقية معطرة و سجائر ذات الكعب الأحمر تتفق على مــــعاودة الـــهتاف فى نفس الموعد غدا ... أطلق ضحكتى المفتوحة عليهم من وراء حائط استوعب منى لقرارا بالتوارى عنهم .. أجد عليه حل القضية القضية - " قاطع ... ساند .... قاوم " -
- هل يهتف فيهم هو الأخر ... ؟
كاميرات فضائية كثيرة تلتقط منهم صور تصلح لمادتها المتعطشة لمزيد من الهتاف ... أخرج من مكان إختبائى بخطوات نشطة أمنى نفسى بجلسة أمام التليفزيون لعل أحدهم التقط صورتى و أنا أهتف معهم .
- ( فاصل ) ...

( 2 )
ملتصقا بمكانى ...
انتظر خضوع عمود الدخان الساخن المتصاعد من كوب الشاى أمام لسعة البرودة التى تقذفها موجات الرطوبة المتســـللة من وراء الجدران بينما اتصنع بعض التكيف المضطر أثناء متابعتى لصاحب التقرير الإخبارى الذى أعتاد أن يبرم تقاسيم ملامحه جميعها وهو يعاود تكرار سؤاله اليومى .
- من لهذا الشعب ... ؟
أخيرا عمود الدخان لفظ أنفاسه ... احتوى زجاج الكوب بلمسة مجمدة اتبعها برشفة مطولة و أنا أبحث معه عن إجابة مشتركة .
( فاصل ) ...
من سويعات سقط عشرة شهداء
و من المتوقع أن يسقط عدد مماثل في الغد
لا يهم .
فنحن في الجنة وهم في النار
أغنية وطنية
أغنية عاطفية
أغنية إباحية ... " لسعيدة سلطان "

( 3 )
جسدها مارا أمامى ...


تنقل ثقل بطنها المتكور بين قدمين منتفختين و وجهها يلمع بحبات عرق مع كل حركة جديدة ... تدندن بصوت مزروع فى حقول التفاؤل مقطعا من أغنية مصرية قديمة .
- إحنا بلدنا ليل نهار ... بتحب موال النهار
- هل فعلا تؤمن بأن لدينا هذا النهار ؟
اترك سريعا جهد البحث عن رد و أنا أتذكر ذلك النهار الذي طاردت فيه والدها حتى يرضى بزواجنا بينما هو يشترط بأن أجهز لها بيتا واسعا مثل بيته لكن عندما قصفوه له عن عمد ... شاركنني هى حجرتي الرطبة ... أداعبها .
- إنتى " غنيمة ... زمن الحرب "
,,,, - تضحك برهة
ثم نشرد طويلا داخل الأمس .

( فاصل )
تم اغتيال مائة ألف حلم
وغدا ...
قد ندد
و بعد غد ... ؟
أيضا سنندد
أطفأ التلفاز ... وأجذبها إلى عالم الشهوة .
,,, رغم أن قصفا جديدا فوقنا قد بدأ .

( 4 )

من وراء فتحات شيش النافذة المتخلخل
.
حمل الهواء الضجيج ... اضطراب ... صراخ على البعد ... مما جــعلنى انتفض فــــى وقفة متعجلة استطلع بنظرة متقلبة بين تداخل فراغ الشيش الجهة المقابلة للشارع حيث ســــياراتهم العسكرية أحكمت طوقها ... أردد لها بصوت مضغوط و بتكرار مبالغ فيه اســتنتجاتى عن الأسماء التى ستملأ فراغ سياراتهم .... هل المراد هو بيت الحاجة " فاطمة " التى فقدت أولادها فى قصف واحد ؟.. بل لعلهم يقصـدون بيت الشاب ( صهيب ) الذى يشاع منذ أيام إنه أمطر قاعدتهم المجاورة بقذائف غاضبة .. و رحل .
أم إنه ... ؟ - أم هنا ... ؟ - أم هناك ... ؟
أم أن أحدهم منهم رأنى على الشاشة ... أهتف ؟
قوة الهاجس ترامت أكثر داخل رأسى الخائف حتى أنى استغل فرصة انشغالها الغاضب من ذلك الموقد المتهالك و انكمش مع بـعض طلاء الحجر الجيرى المنسحب مع انكماش ظهرى داخل حالة تخيل أخشى فيها إمكانية التحقق فهى سوف تنهار خلفى حتى إنها كثيرا مــا نبهتنى بنرة راجية .
- توخ الحذر دائما ... فأنا لم يتبق لى غيرك.
أزيغ بعينى أحاول أن لا تلتقط خوفى فى نظرتها العابرة ... أتراشق بنظرة متصلبه على صورة أخى الذي مزقته شظايا " التوما هوك " مع يوم الغزو الأول دون أن يدرى لماذا مات بينما كان يساير معادته مع أصدقاء المقهى بصوته الفرح لحنا شرقيا يضربه على عوده الذى جمع ثمنه بتجوال مستمر فى شوارع المدينة .
( فاصل )
هولاكو الجديد يتوعد
نساء ( المعتصم ) عرايا على الأسوار
رجال ببذات سوداء في سوق النخاسة و الخيانة
و تتوالى الأحداث ....

( 5 )
بالخارج طلقات تستبيح كل شيئ ...


أشعر بحركة قوية .... الظلمة تمتد ... القلب يهوى ... العيون تدور من الفزع ... نتبعثر معا كرقمين مذعورين على الأرضية ... العيون تدور من الفزع ... الموت ... أكيد هو الموت قادم ... يهدأ تدريجيا الصوت .. كالوميض تعود إلى فكرة أن أطمئن عليها ...أشعــــــل عود ثقاب يكون عليها مظلة من ضوء أحمر باهت وهى تتجمع و تتكور و تدور فى حلقات ألم متواصل عند الزاوية ... اتجه إليها .. اقـــــتحم نظرتها الزائعة بنظرة مشفقة ... قصف متواصل .. الجدران تتواطئ علينا مع شدة القصف ... هواء مشبع برائحة الدم الطازج يخترقنا معا
يضربنا اهتزاز جديد
,,,,, اتمدد فوقها .. ننتظر فرصة للحياة .
( فاصل )
يا عرب
بالأمس انتصر قطز
يا عرب
اليوم اغتيل قطز

( 6 )
.. ممتلئا بالفزع .


أجمع حركتها المتشنجة بين ضفتى ذراعى المتوترتين ... أهرس خطوتى الجزعة إلى أقرب منفذ قد يعيدها للحياة .. تشعب الشوارع الخلفية يزيد معاناتى بها ... أراهم و يرونى ... استوقفونى بأكثر من لغة وفي كل مرة أجيب ثم أركض ... يتبعى خط أحمر ساخن ينساب من رحمها النازف .
تصتادنى كاميرا لمصور يسعى لقصته المسائية .... أسب .. ألعن .. احتج حتى حبس صوتى الانفعال أمام عدسته ... أجرى عند مفترق طريق .... خط الدم ينسحب بكثافة إلى حوارى الموصل ... و كركوك ... و أم قصر ... و دمـشق و القدس ... لكنه شرع يتجمد ببرود فوق خشبة ملهى ليلى في ( شرم الشيخ )
- ( فاصل ) -

الجمعة، 7 مايو 2010

خطوته الجديدة - ( قصة قصيرة )



بلا شك أنه قد بذل جهدا إضافيا يعتلى به فوق حالة الإرهاق التى تمضى بحرية داخل جسده المهدود وهو يعبر الشارع بعد إن أانهى يوما أخر من روتين حياته – كالعاده ذهب إلى عمله - وقف فى مكانه بــــبذلته الداكنة الموسومة بشعار الشركة و قد رسم على شفتيه إبتسامة مفتوحة بطول وعرض ساعات العمل حسب طلب المدير يستقبل بها من مكانه فى قسم خدمة العملاء الذين يتكالبون على أذنه وأعصابه بشكواهم المنطقية واللامنطقية بينما مجبرا هو على أن يتعامل فى كل مغالاتهم المعتاده حتى لا يستغلها مديره فرصة لإظهار قدرته على توقيع الجزاء .

توزع ببعض اليقظة المتبقية وبين حركات مناورة يشغل بها مساحة الفراغات المتاحة بين طابور السيارات المندفع فى عجالة التى يخشى أصحابها أن تستوقفهم إشارة مملة فى شارع أبى قير المختنق بزحامه .. خطوتين للأمام ... تماشى بالجنب ... تقوس مفاجئ مع تيار هوائئ مصاحب لميكروباص مسرع يصد تقدمه نحو الرصيف الذى التقطه بارتفاعه الحديث بعدها ليكمل طريق عودته اليومى نحو شقته الوحيده مثله بعد أن غادرتها والدته لتلحق بموت مفاجئ والده الذى سبقها فى الرحيل بعدة أشهر قليلة دون إنذار مسبق ... كثيرا لام عليهم قبولهم السريع للرحيل قبل أن يروه يبدأ حياة جديدة قد ترفع عنه أكوام الكراهيته لتلك العودة الفردية المحتومة.

... يتعمد إبطاء خطواته مثل كل يوم ليكتسب لحظات إضافية ينغمس فيها مع ضجيج الشارع حتى يظن المارة بأنه أحد يتسكع بلا هدف قبل أن تحتويه جدران الشقة التى بات يتدلى منها ملل دائم كما يقول لنفسه أو – يمزح كعادته- مع أصدقاءه ... يتصفح الوجوة والمشهد العام حوله مع تقدمه على الرصيف.

يجدها كضفدع جائع تلتصق بنظرتها له كزبون محتمل بإحدى نظراته العابره من وراء صندوقها الكرتونى الذى تتخذه كمنضدة منبعجة تأن تحت ثقل أكياس العيش المعبأة بعدد تنتظر آكلها بعد أن اتخذت بجسدها الضئيل و سنينها اللينة مجلسا بين مؤخرتى سيارتين يتباهيان عليها بأرقامها المميزة.. يهرول بنظرته بعيدا عنها حتى تخرجه من عينيها الطفولتين المصلوبتين عليه فهى لا تعلم إنه قد أضاع شعور الاشتهاء لأى شئ .
يقرر ببعض الخطوات النشطة أن يجعلها ماض خلف ظهره ... تصد فكرته بسؤال اعتادت على تكراره على المارة .

- يا عم ... تشترى منى عيش ؟
بحث داخل ريقه عن إجابه يمنحها لها أمام عرضها المصر على توقيفه .. بنصف رقبة أو أقل منحها تعبيرا بعدم الرغبة .
- خد بس منى... متقلش لأه .


تدفق الكلمات بنبرة ناضجة بعض الشئ من جسمها التائه فى ملابسها الواسعة جعله يضغط بفضوله على خطوته القادمة لتتوقف فى مواجهتها ... سريعا تمسك بكيس عيش قريب ترفعه إليه تحاول أن تقربه من قرار بالموافقة أو فتح باب الخجل فيه أمام قوة إلحاحها.

- بس أنا مش عايز.
- خد بس ... علشان خاطرى .
- و ليه يعنى .. ؟
- علشان لازم أروح بدرى النهارده .

مبررها الصريح نقله فجأة من منطقة الرفض الحاد إلى المهادنه بما جعله يهوى بنظرته يعد أكياس العـيش المتبقية التى تمارس حالة ( عند ) على رغبتها البسيطة.

- عايزة تروحى ليه ... ؟ مش الفرجة على الناس و الشارع أحسن .
- لازم أروح بدرى .
- فيه حد مستنيكى يعنى ؟

رفعت كتفها ثم أنزلته بخيبة الفراغ تحت وطأه وحدة مفروضة عليها منذ أن جاءت الدنيا لا تعرف لاسمها هوية محددة بعد وجدها أحدهم فى صندوق تداولته الأيادى ما بين رحمة وغلظة وانغماس مبكر داخل حياة ثقيلة.

- لا بس لازم أرجع و إلا يومى مش هيبقى فايت من صاحب الفرن.. ده هيخلينى أنام
فى الشارع لوحدى .

شعر بحالة تعاطف أنسته دواعى تجاهله السابقه لها ... ظلل لها على شفتيه ابتسامة تفضح رغبته فى مساعدة قساوة حياتها التى تشب عليها بقامتها السوداء بعدما جعلته يدرك رفاهية فى حياته لم يفهمها بعد.
- هتشترى بقه ... ؟

نقل حمل جسده المتساقط من التعب إلى قدمه الأخرى ... بينما يقذف لها بقراره

- هاخدهم كلهم .

مــــلامحها الملفوحه بــــحمرة شمس النهار و شعـــرها المنفلت بخشونـته من خلف (توكتها) المهترئة تندفعان بفرحتها إلى صندوقها بشغف تجمع له أكياس العيش داخل كيس أكبر.
( ربنا يخيلك يارب ... بص حطوا فى التلاجة هيــــــعيش أكتر ... و الله ده عـيش
طازة بزيادة ... ) .
أسلمت له الكيس بمعالم انتصارها على عبئ القــلق من احتمالية العقاب تتجلى على فراغ صندوقها الذى ضمته فى عجالة قبل أن تتطلق عكس اتجاهه بفرحة عودتها لعالمها باكرا... حتى قبل أن تراه يشد على خطوته الجديدة بكل قوته نحو شقته.
... ويمضى يسير ,,,,

الاثنين، 1 مارس 2010

عنها كتب قصته - ( قصة قصيرة )


( 1 )

ثلاث نقاط لا غير في بياض الورق ... تضيف مربعا غير مقصود ... تقطعه إلى أجزاء ببعض خطوط الطول ... تؤكدها بتكرار مضغوط للحبر الأزرق ... تغرس ارتعاشة خدها الغاضب فى تجاويف قبضتها المضمومة تنتظر لحظه موت ضحكته المجلجلة داخل حديثه الهاتفى التى تزحف على تقاسيم أذنيها رغم انتصاب الباب المغلق بينهما ... تسقط كلمتين من دوامة تشتت تتلاعب برؤوس فكرتها و ملامح شخصيتها - ( عزيزة )– أمام إصرار مخليتها على إسقاط صورة ذهنية كاملة عنه ... السـيجارة فى يديه و نظارة داكنة على عينيه و بذله كاملة تتألق على جسده المنتفش و هو يمشى بخطى مرسومة متصلبة تدق خشب الأرضية ... يهز سلسلة مفاتيحه بيده ... حتى رائحة عطره الفرنسى الذى تكره رغم اسمه المعروف .
- آه ... بدى أمنع هيدا العطر .
صوت ارتداد الباب الخارجى خلفه ... تركها هى و الصمت و رحابة الفراغ .. تهوى على أوصالها بشحنة انتعاش مفاجئة اعتادت أن تطلقها بعد كل مرة يغادر فيها و هو الذى ألبس حياتها قالبا من الجبس بعد عملية زواج ... أشبه بفخ .
.. تطلق بسرعة سيلا من الكلمات ... تصف شخصياتها - ( عزيزة )-
- سأجعلهم يعرفونها مثلى فى الندوة ... - رغم أنفه -
تجمع أوراقها ... تدقق فى الترتيب
5-4-3-2- ... صفحة أولى - ( فلب عزيزة ) -
و تمضى ...

( 2 )

بذراعين يتقاطعان بتضاد مقصود على حقيبة أوراقها تـتجه إلى حيث أعتادت أن تراه يجلس في مكانه المعتاد بالندوة و رأسه الأصلع اللامع ينبثق من داخل كوفيته الشعبية .. لهجتها الشامية ميزت تحيتها للجميع .. سقطت على الكرسى المجاور الذى ينتظر دوما حضورها ... حيته مرة أخرى بشكل خاص قبل أن يباغتها أ- / على هاشم رئيس الندوة بسؤاله .

- قدرتي تكتبي حاجة ؟
- حاولت
- محمد خيري ... هيقرا الأول .

توافق بضحكة مفتوحة مضمومة ... تنشغل بترتيب ترتيب شخصيات قصصها ..." بيجة " .... " الشيخ خلوصي " ... " ثلامه " ... لكنها تبحث أكثر عن قصتها - " قلب عزيزة " -
فهى تنوى أن تجعلهم يعرفون كيف تستمد من قلب خادمتها الطيب القدرة على قطع رقاب الملل المطلة على حياتها معه .. تنتبه لنبرة صوته المعتقة بحكايات شوارع المدينة الخلفية وهو ينطلق ببداية قصته يتخذ من لهجتها ... قضيتها ... أحلامها – ( بطلة ) -
- " هى تقرأ طوال الليل ... و أنا أكتب طوال الليل " .
كلماته عنها ... أعادت ضفائرها العذراء إلى " جبل النار " وهي تذهب وتعود مع أختها " ثلامه " تبحثان عن أخيهما " صيام " حتى عرفا إن ذئاب يعقوب قد ذبحوه على نافورات روما ... يواصل قراءته
بطريقته الخاصة و هو يعيد عليهم مقتطفات منها تتناسب قصته هو ... و هى بجواره تجمع عناصر امرأة حية تولد من نظرات الحاضرين التى تتسابق على إظهار لمعة الإعجاب .
- رغم حصاره .. ضل إلي حدا عم بيشعر فينى .
يتلون بدرجات الصوت معه مقتطفات عمرية لها .... أحيانا يتصفح منها بعض الهوامش الداخلية
كما تشتهى أحداث قصته لكن بدون مقدمات أقحمه أمامها بعطره الفرنسى داخل قصته ... تلتفت إليه بحاجب يشتبك بارتفاع الصدمة مع تراكم تجاعيد دهشتها .

- حتى أنت ... ؟!!!

إنها تعرف فى الخلفية بأنه رغم اختباءه وراء حكايات غرفته التـي فقدت إنسانيتها حين رحلت عنها رفيقة عمره" هناء " إلا إنه يعيش لها معنا إنسانيا خاصا ... لكن يهتم الآن بقصته أكثر منها لدرجة تدفعه إلى هذا الاقتحام غير المبرر رغم علمه بكل أجزاء الحقيقة .

- الكل عم بيصر أن يجعلني جزءا منه...حتى هو !! ... هذا الرجل الأصلع
.. هذا الرجل الشعبى ..
.. هذا الرجل الشيخ الجميل .. كيف يجرؤ ؟

هرولت عنه و عن قصته بروحها المضطربة إلى هناك ... حيث بيت " ثلامة " الذي تميزه شجرة تفاح أخضر تتذكر عندما تمددت بطول و عرض حالة تمرد ماضية على عطره الفرنسى لتراقب وحدها الشهب تهوى إلى " وادى رام " بصحراء الأردن .. لكنه أعادها بقرار عدالة عمياء ... لتحمل مرة أخرى ضيقها فى صدرها

- ليش عم بيرانى الكل مجرد ظل موصول فيه .

يرفع نبرة صوته مع حركة سريعة بالرأس تسحبها من جديد إلى قصته التي نال بسببها جزاء إداريا عندما ضبطه المدير يكتب عنها أثناء الودرية ... لكنه فضلها هى

- " ووجدت محطة مكتوب عليها " سناء ".
تنبهت لكونها عادت في قصته بطلة مستقلة تتصدر قاموسه الذكورى بل إنه يرواد بها مخلية أحلام خضراء تشب بفضول داخل شبـاب الندوة ..." إسلام البارون " الذي تذكـره دوما بأن لها ابنا في مثل ســنه ... و"هاني عادل " المحامى الشاب المبـهور بلهجتها الشامية ... لكن أين هي مع الأخر ؟
ففي كل مرة كانت تـثــور بطنها و تخمد بسببه تسأله .
- أنا وين ... ؟
- وين ؟ ... أنت !!
نبرته المستهزئة تبعدها عنه أكثر ... لعبة الأعصاب التي يجيدها أجبرتها على إعلان الانتفاضه أكثر من مرة .. لكن أولادها يقفون فى المنتصف فتلقى تحتهم أحجار ثورتها مضطرة بقهر مغلوب .
- آه ... إذ عم بيعرف إنى هون صرت شئ حقيقى راح يقيدنى .
- ما راح أبدا أكون من جديد ... إلا أنا .

" سناء ... هي الوحيدة التي ادخلتنى الندوة "

بنشوة كلماته المضيئة التى تحسها تسرى فى أوصالها , تزحف فوق يأسها المتكوم فى نظرة حزينة تنفيه للخلف ... تعيد لعينها درجة اللمعان المطلوبة للحياة ... تجوب بحقيقتها بين أبعاد جغرافيا مشبعة بالقضية .
غــزة
الأردن
مصر
الأردن
مصر
تعود ... و تذهب ... ثم تعود لتواصل بطولتها كاملة في قصته .

الجمعة، 12 فبراير 2010

مواجهة ... ( قصة قصيرة )


تشابك عمليات الجمع والطرح فى كل مرة أضيف فيها رقما أعرفه أمام اسم أعرفه في قائمة الراتب الشهري التى دأبوا السؤال عنها داخل نبرة مبالغة من التودد منذ عدة أيام ... أخذتنى عنها .
(محمد فاروق أساسي 500 ... 50 حافز ) ... لكزتني بعفويتها فى حركة " تمطع "... اتنازل بسرعة عن تعليق ساخر يغازل ذاكرتى بــمحاولات الأخير المســتميتة فى خداع نرجســية مديرة القسم و هو يتنقل بحرفية بين كل مدارس النفاق الوظيفي ... ألامس بشغف انبثاق أصابعها الحمراء تقاوم بعفوية تكرار طبقات الغطاء حين قبلتها نائمة فى زواية كرسى ( الأنترية ) اتقاسم مـــعها انعكاس بياض شاشة الكمبيوتر خلال سـهرتي الإجبارية .
- ممكن تخلى البنت جانبك ؟... باين عليها قربت تصحي تانى .
صوتها المشبع برغبة السقوط فى الفراش .. أجبرنى على إيماءة موافقة مطولة قبل أن تغادرنا معا و هى تدهس تحت ثقل خطواتها المهدودة طرف حلم قد بدأ .
أدور بطقطقة ظهر مسموعة أغلف شفتى بضحكة ثم اتبعها بحركة مداعبة متعجلة ... لم تتوقف هى عنــــدها كثيرا أثناء انشـــــغال رأسها الصغير بالدوران داخل علامة استفهام تستطلع بها فحوى المكان بعد عودتها من عالمها الخاص ... استغل مساحة فضولها الواسعة لأترك أناملى تعود إلى ( لوحة المفاتيح ) تضيف رقما ... تضيف اسما .. أنشد أن اقترب خطوة أخرى من ذيل القائمة حتى اتحرر من جلستي
التي استولت على ساعات يوم الإجازة الذي كنت أرغب فيه صناعة بعض " الاندماج " الخاص .
لكن إصرار المديرة على أن أتى بقـوائم وكشوف الميزانية في الميعاد الذي اختاره غدا .. أفقدنى حتى حق التخيل .
- هتعرف إزاى ؟ .... دى محسوبة على الستات غلط .

زفرة ساخنة منه تندفع بين توالى ابجدية الأسماء وتكدس بعض التعليقات الوظيفية التى اعتاد لصقها مع دوران عجلة الأرقام التي يديرها بنفس درجة الاختناق مع نهاية كل شهر لعلها تهون بعض الشيئ .
- عبد الله زميل المكتب الذي يتبرم مقدما من ضياع نصف راتبه في شراء( موسم العــروسة) ... عم خليل الساعى الذي بدأ العد التنازلى لأيامه الباقية بينهم لكنه مازال يصر أن يكون أول من يحصل على راتبه -

تـزوم .. تجرح سكون الغرفة تعترض على ثقل أغطية لا تعترف بعد بحرية إنسانيتها ... أساعدها بمودة على إيجاد فتحة تلامس فيها الواقع رغم علمي بكل جمل الاعتراض المبرمجة من والدتها
- أنت عايزها تاخد برد ؟
- متخافيش عليها.
تتمسك بنظرة مسلطة لعيني المحلقة بسواد السهر بينما تعتريني فرحة تكون لغة دافئة بيننا...أجزائها اللينة تدفعها بانجذاب غير مقصود نحوى ... أتجاوب معها ... أحتويها بالذراع لنلتصق رقمين متجاورين أمام الشاشة الساطعة .

- دى مش أرقام و بس ... دى قدر .

أدرك توافق نبرة صوتي مع نبرة مستنسخة من صوت والدي الذي أصر في جملة مماثلة قاطعة أن أكمل مسيرته بين الأرقام رغم تصريحى برغبة مغايرة .

- تجارة يعنى تجارة ... هتعمل إيه بالسياحة ؟

يتقافز بداخلى " اعتراض " ظننت إنه فقد بين المحاضرات المملة والدوسيهات المنتفخة بالأوراق على المكتب أو فى تلك الشاشة الباردة .
أنهض بها .. أقطع ( طول ) الصالة متدثرا برائحتها الفطرية أثناء محاولتي السرية فى إعادة ذلك الاعتراض لسجنه الخامل ..

يستهوينى ميلاد رؤوس التعجب فى نظرتها الواسعة مع كل مرة تنجذب بمدار رقبتها نحو الصور المعلقة كأنها تستسقى منها شـبها خاصا يربطها بهم ... أشاركها نفس الاهتمام .. أجمع لها أنفا ...عينا.. .. لونا .. شبها قد يلحق بدرجة تغير ملامحها المستمر مع مرور الساعة قبل أن يعود شبح المديرة المتبرم دائما يدفعنى نحو حشايا المقعد المضغوطة بتكوير أواجه في جولة جديدة خانات القائمة الفارغة .. لكنها لم تتقبل تلك العودة ... تزوم ... أتصنع اللامبالاة ... تلونها بالأحمر سحابة غاضبة .. أقاوم بإضافة اسم جديد ... رقم جديد .

تشرع فى الإعلان عن ثورتها في تصاعد مدبر أحاول أن أجاريه بخفة جني شقي ... و حيوية مهرج سيرك ... و متشرد فيلسوف بينما هى تمن على بنصف ضــحكة مبللة من حين لأخر قبل أن اتعرض لخيانة أبطال قصص طفولتى القليلة ... أتوقف يتعرى العجز منى أمام موجة بكاء تجتاح كل مساحة الصمت .
- منين جابت كل الإصرار ده ؟ ... - ... أصحي لها أمها ؟

أقصف رأس السؤال قبل أن يطلق الضوء الأخضر بالإجابة ... فأنا لا أريد أن أبدو مهزوما أمام بذور حياة كنت أمتلك مثلها يوما لكنها ضاعت منى تحت سـطوة الأمر المباشر الذي لازمني منه حتى بعد أن رحل هو ... أحملها من جديد ... أجعلها ترتكز بشهورها الأولى على صدري العامر برغبة حقيقية للتواصل المختلف .

- بكرة هاخده أجازة ... و إل يحصل يحصل .

نعود معا نكمل لعبة التطلع فى الصور الغارقة في الأبيض و الأسود و المتباهية أحيانا بالألوان .. اتوقف بها أمام صورته الرمادية .. أظنه يرمقنا من وراء نظارته العريضة ... أهوى لأسفل بنظرتى إليه خشية كالعادة لكن نظرتها العفوية تـــواجه تــــجمد ملامحه بقوة ... اتحرك بميل نن العين إلى داخل إطار الصورة أحاول أن اختلس نـــظرة عميقة مثلها ... أرفرف بالجفن ... أزيد زاوية النظر ... اثبت عليه للمرة الأولى ... ثم أشرع بروح جديدة اتحدى بقوة كل ملامحه القديمة .

السبت، 6 فبراير 2010

كيس رمل من أريحا .... ( قصة قصيرة )



بمسحة دائرية تساير تكوير بطنها الذي يواصل ارتفاعه منذ أن أخبرتها طبيبة المخيم إنه فعلا قد تشكل بداخلها تحاول أن تثقل رغبتى ... اتخطى مدلول حركتها ... أكمل إخفاء ملامح وجهي حتى لا يتبقى لها سوى عينين تنظران إليها في إصرار نهائي من وراء كوفيتي المنقطة .
- يعنى بدك تروح ... ؟
يدى المنسحبة ترفع الكيس المسجى بجواري تمنحها تأكيد الإجابة ... اتجه نحو الباب لأشغل حيز الصمت بصوت قلقلة المفتاح لكن قبل أن يتبعني ظل الباب المسحوب خلفي استوقفتني مع سؤال متوقع
- إيش تبى أجوله ؟
ابحث بين الجمل المركزة عن إجابة اتركها له عندما يدرك يوما اختلاف عالمه الذي جاءنا به إليه رغما عنه.
- جولي له .... راح يجمع إلك وطن .
أشد على خطواتي .. أزيد المسافة بيننا قبل أن يراودها سؤال أخر , فلن أتراجع اليوم عن رغبة ذهابى إلى هنـاك رغم حواجزهم الأسمنتية الني تستبيح مدينتنا " الساحلية ".... واعتياد طابور الانتظار ... و رغبة الإقصاء التى تميز لغتهم .
استهدف بخطوات نشطة تعريج طريق يمتزج بترابية مع أشلاء حياة أرادها القصف الأخير علينا ... بقايا ملابس مزركشة ... فرداي أحذية غادرت بعجالة أقدام أصحابها لتتلوى هنا على نفسها .

- أأنفذ رغبتها و أعود إليها ؟
- لكن من الذي سيحقق له الحلم ؟
- أولاد الظل يعيشون قصار القامة ... و أنا أريد أراه ينمو .

صرير جنزير " ميركافا " على الجانب الأخر يقترب يطحن الأرض .. اندمج بجسدى الحذر فى ثنايا حجر قبلتنى زاويته المنتصبة لأصبح خارج دائرة بحث مدفعها المتعطش لدم جديد .
- لن أصبح صيدا لها .
- لابد و أن أعود له بمفردات وطن .

لقد ملئت له هذا الكيس أكثر من مرة في رفح ..... و جبل النار .... الناصرة... حتى عند صخرة القدس .... واليوم أنوى أن أفعلها في - أريحا - رغما عن السلك الشائك الذي بدأ يلتحم بغيمة رمادية تزحف نحو المدينة ... انبطح .. اتجمع ... انفرد بين الفراغات أنشد عبور التل الأخر حيث كان يجب أن نكون معا ... صورتى تخادع أدوات المراقبة الإصطناعية قبل أن نثير اهتزازهم الداخلى ثم تدفعهم إلى ملاحقتى ... أقبض على كيسي حتى لا يغادر يدي ... لهاث كلابهم المسرعة خلفى بطاعة عمياء أسبقه بخطى أشد

- سأملأ له الكيس مهما كلفني الأمر .

حفنات الرمل تتجمع داخل الكيس بسرعة تتحدى صدى خطواتهم المنغرسة بغصب فـى حكايات جدى وأبى ... يطلبـون منى أن أعيدها من جديد ... لا استجيب لهم ... يصعدون لهجتهم الراغبة فى إهدار دمى ... أواصل ما أتيت إليه .
- الذي ماله وطن ... ماله في الثرى ضريح .
كبيرهم يشعل فيهم الضوء الأخضر ... ينطلق الأحمر الساخن منى يكمل إمتلاء الكيس... أنفاسى المتحشرجة تتابع الخروج بضعف ... يضحكون حولى .... لكن فجأة يتمدد الكيس بمساحة وطن ويبتلعهم بداخله .

الخميس، 4 فبراير 2010

رحيل جديد ... ( قصة قصيرة )




أمسكت بملابسه رغما عنه .. لم يشعر بها وهو يتحرك في طريقــه رغم إصرارها على التمسك به .. يدير مقبض النافذة لتنهال أشرعة ضـوء النهار المـتزاحمة بقسوة على طلاء الحجرة المتآكل ... لكنها مع دورانه الأول تتركه لتهوى إلى الأرض بثقلها .. ينجذب لها بجزع ليراها تتناثر على الأرض هنا و هناك ... يمسك بلاتبيب أنفاسه في اللحظة الأخيرة يمنع فرارها من جسده الضئيل بينما يذوب إليها حتى ركبتيه المرتعشتين ... ينحني عليها مع بكاء مكتوم يشرع أن يجمعها بسرعة قبل أن يأتي هو و معـــه فرضية الــــعقاب اللازم ... مساحة الصمت المتاحة بينهما تضخم صوت شبشبه البلاستيكي الخشن يزحف تحت جسمه الثقيل في فضاء الصالة فتتملكه بالداخل رجفة متواصلة ... يده تتمدد في كل مكان تحاول أن يجمع أشلائها دون أن يهتم بما ينفذ منها تحت جلد كفين حديثــتين بالحـــياة تهدر دمه البكر ... يــــؤمن عليه في التفافة سريعة ليـراه يقــف عند حدود نظرته الزائغة يمسح وجهه من ماء الوضوء الممزوج بتمتمات يرددها مع كل مره .
- الحمد لله .. إنه لا يرانى .
يقلبها عـلى وجهها .. يجتاحه شحوب اللون الأزرق حين يرى ملامحها قد تباعدت .... تضربه رعدة قوية كلما تذكر العقاب .
- قد يضرب .. و قد يطرد .. و قد .. و قد ...
إن الــمساس بها يعتبر فى شرعه جناية ..... فهي فى معبده الخريفى حق منفرد كما يؤكد عنها فى جلساته .
- ماذا سأقول له ؟
حبات العرق تنبثق من مسام جبهته عند غياب إجابة السـؤال ...يسرع أكثر في لملمة أشلائها .... يعود إليه بنظرة مقسومة يلمح فيها انكسار ظله الممتلئ وراء زجاج باب الحجرة... يركع .... يسجد .
- كيف أرجعها كما كانت ... ؟
ينحني بكل جذعه إلى جزء قد فر منها إلى أسفل السرير لكن مع عودته للضوء يتزامن مع تسليمة منه لليمين ثم يتركه بلا حيلة يكتشف الحقيقة الكاملة عند يساره .... يتقدم بثقله يهرس شبشبه البلاستيكي في طريقه إليه تسبقه موجات غضب تدفع بقوة إلى ذهنه كل سيناريوهات العقاب .
الصفع ....
الضرب ....
الطرد ......
يتراجع أمامه إلى زاوية الغرفة تحيـطه أثار جريمته .. يتمنى لو أن تقبله طبقات الجير خلفه لونا مختفيا فى الأسفل
- صدقيني لم أقصد ..... لقد هوت ...
كفه العريض ينسحب من عمق الفراغ يختزل استرسال دفاعه ... يعصر جفنيه بشدة ينتظر منه صفعة بلا قانون يحكمها
- لماذ لا أشعر بأى ألم ... ؟
يرفرف بأهدابه في تدرج بطئ يعيد الصورة للاتساع ... يراه قد توارى من أمامه ليتشكل بجانبه في وضع القرفصاء يتحسس بأصابعه الكبيرة الخشنة الفراغات التي أضحت تفصل بين ملامح وجهها على الرغــم من إنها مازالت تبتسم له و هو يحتوى خصرها بذراعه مشدود القوام بينما تنظر هى له مستعذبة قوامته ... لقد كانت هي الأطول لذا أجلسها المصور على كرسي و جعله واقفا .
- آه ...خمسة و عشرون عاما وقفت بجانبها .
لكنها اختارت الشتاء الأخير لتتوارى خلف بوابة عالم لا يمكن العبور له بالاختيار ... حتى دون أن تمنحه وقتا أكثر يكمل فيه كتابة ( روايته ) الأخيرة عنها .
- هل هي وحيدة هناك .. كما جعلته هنا ؟
شيخ المــسجد يخبره دائما بعد كل صلاة بأن الله سوف يجمعهما معا من جديد عندما يصبح الأمر .. كن فيكون
- إذن .. لماذا لا يصدقه .... ؟
فهو يقسم بوجود بأنفاسها مـــعه .. تبدل حركة جسدها الممتلئ على السرير مازالت تؤرق نومه ... رغم إنهم يقولون إنها فعلا رحلت ... بل أن ابنه أيضا أعتاد أن يردد نفس ما يقوله أهل المنطقة
- لا إنها مجرد " شائعات " ... ( هناء ) هنا بداخلى تكتب معى على " الموكيت " قصة قصيرة .. على السجادة " قصيدة " .
- أنا آسف يا أبى لقد أوقعت الصورة .
ينتبه لابنه المنكمش على نفسه فيمر عليه بلمسه حانية تفصل ركبتيه المضغوطتين عن قفصه الصدري , ثم يلحقه بطرف جلبابه يمسح دمائه المتجلطة بين خطوط يديه ...( هناء ) كانت تقبل كفيه ... تحيط يهما سوار رقبتها .... نهدها ... خصرها إلا أن تـتعاطى معه نشوة الحياة تذهب بملل ساعات ( الوردية ) ... يشتهيها الان بكل حقه مرة أخرى .

- ماذا ستفعل بالصورة يا أبى .... ؟
يعود بنفسه .. يتمتم باستغفار مكبوت .. يحكم إطار الصورة فى ورقة جرائد قريبة .
- خذها لعم ( فرج ) ليضع لها زجاجا جديدا .
يغرسها بقوة تحت أبطه ... ينهض بخطوات نشطة نحو الباب .... بينما يتركه على جلسته المنزوية المضغوطة بحزن ... يتابع رحيلها من جديد .

الأربعاء، 3 فبراير 2010

عيد ميلاده .... ( قصة قصيرة )




( 1 )
- عيد ميلاد بابا النهارده
استقبلتني بجملتها التي تقفز عليها فرحا و هي تشب ياستطاله تكاد تلحق قبضة الباب الذي يتأرجح بها في كسل غير مبال بسنين عمرها المعدودة قبل أن تتدحرج بطفولتها الكاملة تعلن الخبر وصولى بدرجة من الأهمية إليه .
- بابا ... آبيه محمد جه .
- تعال ... أنا هنا .
انجذب نحو مصدر صوته ... رائحة الفرن الطازجة المندفعه فى طريقى تؤكد معلومتها ... أجهز حالتى لتهنئة مرحة ... أتداخل مع بداية الحجرة ... عند اللقطة الأولى اصطدم بأجزاءه المتراخية على الكرسي .... شعره المضطرب ... زجاج نظارته يفصح دون قصد عن سقطة عين مجهدة تباغته ... تخاذل فتحة جلبابه تكشف عن انكماش الجلد أجبرتنى على إيداع جملتى خانة السكون بينما أساير إشارته لى بالجلوس .. اختار كرسيا ينأى بنفسه خارج تكاثف ضبابه دخانية تلتقط طرف حياتها من الأنفاس الأخيرة لبقايا كومة أعقاب مضغوطة صريعة فـي المنـفضة التي خبــت صفتها الكريستالية في تلافيف تل رماد كئيب .
- ليه كل السجاير دى ؟
- بحتفل
لهجته الساخرة تنقلب إلى تضاد واضح مع نبرة زوجتة المتحمسة و هى تستشير جارتها حول مقادير إحدى الوصفات من نافذة المطبخ
- طب ياريت يا ختى تكتبيها ليا في ورقة .. هبعت ليكى البت تاخدها
- الولية طق في دماغها تعمل ليا .." عيد ميلاد " .
- و ماله ... أهو برضه تغيير .
يفرج عن إيماءة موافقة مضطرة مثل التي منحها لـزوجته بعد إلحاح طويل منها وهى تدعم فكرتها بكراسة الوصفات التي جمـعتها من جلستها المستمرة أمام القنوات الفضائية ... أراد أن يتعذر بمصروف الشهر لكنها أيضا حاصرته بحسابات الورقة والقلم
- مش بالذمة كنا دفعنا بالفلوس دى - تمن درس الواد ؟
- ما الواحد برضه لازم من فترة للتانية يفرح نفسه .
- ليه ؟
استغرب رأس السؤال ... لكنى أشرع فى ترتيب أسبابي
- علشان ....
اقتراب زوجته بجسمها الذى يزداد تكعيبا و تدويرا ... يسحب عنى عناء الإجابة ... تطلق ابتسامة عفوية تماثل أخرى تتماسك داخل صورة الزفاف المعلقة خلفه بشعره الفضي ... حتى تنادر الأقارب بإنه زفاف جاء بعد مغادرة القطار .
- آه و النبي قله . ؟ ... يمكن يفكها شوية .
ينظر لها في ضيق ساخر ... يخرجه سريعا مع زفرة مضمومة
- و الله حاسس إنك عمله ده علشان تعكننى عليا ؟
- أنا ... ؟ شاهد يا محمد .
أخاطبه بنظره تدعوه لإصلاح الموقف قبل أن تبتعد و هي تبرطم بأســـماء الأصناف التي جهزتها و اسمه الذي كتبته " بالكريم شانتيه " على التور تة .
- مالك ؟
- عيد الميلاد ده ليه ناسه
- و أنت لأه ليه ؟

اختار معى أن يستعيد أسباب تقلبه اليومى القلق على الفراش بعدما تطوقه سلسلة الفرص الضائعة في حياته ... لم تشفع له خدمة سنين الجيش فقط أصبح بقرار حامل رتبة بسيطة بنصــف معاش بعد أن أخرجوه من الخدمة بحجة " دواعي أمنية " و لم يعرف تحديدا السبب رغم إنه اكتشف لهم أسلحة مستوردة غير صالحة للاستعمال وقت الحرب و انتظرأن يأتى التقدير .
- شايف الشعر الأبيض ده ... ده مات منى على الجبهة و برضه منفعش معاهم .
أهون عليه بكلمات لا تقنعنى أيضا ... يستمر من زاوية مختلفة فى تكرار أحداث بعض مغامرات الظل خاضها حينما خرج ليضيع فى الحياة , لكنه عاد متأخرا ليقيم معها بيتا بنصف حياة .
- بابا هى الحرب الحقيقية بتكون كده ؟
حماس ابنه الصغير و هو يدير حربه الخاصة على حاسوبه يأخذه بقوة نحو حكايات متوازية مع رائحة البارود , .. تذكره لسؤال مفاجئ جعله يترك روايته عن ساق " قائده " المحارب ... معلقة بلا نهاية .
- بيقولوا هيخفضوا المعاشات
- لا ... أكيد إشاعة .. ما ينفعش .
- ياريت ... المعاش أصلا على حاله مش مكفى ... أنا اشتغلت كمان شغلانة تانية علشان تسند بس الحياة أوسع ... و لسه عندى لحم
أحمر .
- بكرة تفرج
- بكرة ده هيكون عندي عيل لازم أقف جنبه ... و بنتين فى إيد خراط البنات ... نفسي لو الزمن يقف علشان أقدر أعمل لهم حاجة ... بس خلاص .
أتوافق معه على أرضية الواقع .. ثم نغرق معا فى لغز يبحث عن شكل الغد .
صوت زوجته يردد للمرة الأخيرة الأصناف التي أعدتها مع جارتها ... تعود إلينا بدحرجتها الطفولية
- يالا يا بابا ... يالا يا أبيه التورته بقت جاهزة .

( 2 )

مكرها أرتضى أن يتوسط الدائرة التي تشكلت حول - التورتة - والتي يدفع منظرها النهائي إلى تعليقات مضحكة قد تثير تبرم زوجته .. يقاوم اتساع مساحة ابتسامة عفوية حتى لا يجرح ساعات تعبها .
- حد يطفى النور .
ظلالهم الممطوطة تفترش فراغات جير الحائط المتساقط ... ترديد أغنيهم بإيقاع متفاوت لايمنع شرود نظرتة فى ضوء الشمعة المهتز .
- يالا يا بابا ... طفى الشمعة .
- طيب ... استنوا شوية
- و النبى يا بابا .. يالا
يتردد ... يفكر في اختلاق عذر ... يتكاثر عليه إلحاحهم المتعجل لقطع التورتة .
- ولاد ( .......... ) دول مستعجلين ليه ... دى سنة راحت .
- بابا ... يالا علشان خاطرى .
ألوانهم الحديثة المتأهبة لاقتناص نصيبهم ... تجبره أن ينفخ بتيار هواء حاد ضوء الشمعة .. و ينفخ
و ينفخ
و ينفخ .

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

صفر شمال .... ( قصة قصيرة )


لم يشارك زبائن المقهى المطل على كورنيش ( المنشية ) سوى بلقطة مجزأة بين شعره الخشن الملطخ بمشيب مبكر و بنطال تؤيد ألوانه الباهتة فكرة الاعتزال ... بينما يقبع بذاته وراء جريدة تبتلع مع انتصاب صفحاتها المتشنج ... نظارته الطبية العـريضة .. وجاكيتا متحفزا يواكب استنفار كتفيه بارتفاع مبالغ فيه , ثم ينتهى بحزمة تجاعيد عابسة تتبادل العمق والبروز على جبهته تكمل باقى صورته المنعزلة عن كل زبائن المقهى ... صفحات الجريدة تتلاطم بين يديه في عشوائية .
( مقال لكاتب مشهور ... تحليل اقتصادي ... حـوادث و قضايا ... أخبار العالم ...) و عند صفحة الأبراج يتوقف ...
- برج الثور (حاول اليوم أن تحدث تغييرا ... مع الأخرين ) .
يختلس بغشاوة دوائر زجاج نظارته المضغوط نظرة متسحبة على مجموعة زملاء العمل التى تتخذ من زاوية بالمقهى ميناء متسعا لضحكاتهم المفتوحة وتعليقاتهم الساخرة أثناء لعبة ( الطاولة) التي تجمعهم يوميا بعد نهاية عمل المصلحة قبل أن يعودوا لأدوارهم الطبيعية في الحياة ... لا أحد منهم يبادله التفافة .. نظرة عابرة حتى لو من باب الفضول رغم أنه يزاملهم نفس المكتب منذ سنوات عديدة .

تأخذه صورة لنجمة سينمائية تحتل بانحناءتها المثيرة زاوية الصفحة يرافقها بالطول خبر بداية عرض فيلمها الجديد الذي يتعرض بقوة لخبايا غرفة النوم ... يلتحم معها بشهوة .
- هي دى الستات الصح .
يدفع بتبرم بعيدا عودة صوت اخته المتكرر أثناء محاولاتها المستميتة لإيجاد أنثى له قد تستطيع أن تقوم بخدمته بدلا من مواجهة زوجها الذى شرع بيتململ من عبئه الإجبارى على حياتهما .. مع كل مرة يستدعى لنفسه سببا يغافل به حقيقة عجزه الكامل في أن يقــنع شبــح أنثى بأنه يحمل قوامة " آدم"... حتى يجعلها تسلم له عمرا خاصا .

يقترب نحوه ( القهوجى ) يهلل بجملة مسجوعة تعلن عن طلب لزبون أخر ... لكنه يلصق أمامه كوب الشاي المعتاد في صمت بارد ... و يرحل
- كل مرة يجى ليا بسحنة الميتين دى .
يقرر أن يعترض على طريقة المعاملة هذه .. يشحذ صوته ... يختار كلمة صادمة .. لكن عدم تذكره متى أخر مرة ترك له بقشيشا رغم حضوره اليومى يسقط شرعية الفكرة ... يباعد بين ضفتي الجريدة في حركة عصبية تكاد تتداخل فيها أخبار الحياة مع حتمية الموت و خشونة الواقع مع اتساع الحلم و تصغير الحقيقة أمام اعتماد المحاباة .
_ أتفضل معانا لقمة يا بو حميد
يتجاهل الدعوة ... فهم سيتناوبون فقط السخرية منه عندما يخترع الحجج و المبررات للهروب من نصيبه في الحساب مثل كل مرة , حتى أنهم اعتادوا أن يعلنوا الدعوة و ينتظرون منه رفضها الإلزامي
... يرتشف بصوت مطول رشفة ساخنة من كوب الشاي تساعده أن يعلو بها على ضجيج همهمتهم الساخرة التي تقصده

- ( عبده ) شغل لنا التلفزيون ... يمكن نشوف حاجة حلوة .
- حاضر .... معاك كمان واحد سحلب وصاية .
- الحساب هنا للباشا .

يسكن بأمل داخل تقسيمات صفحة الوظائف الخالية لعله يجد لنفسه فرصة تبعده عنهم ( مطلوب سكرتيرة .... عامل نقاش ... شباب حديثي التخرج ... مندوبي مبيعات ..) ... يجد نفسه خارج القائمة في كل فرصة .
- مش مشكلة ... سهرة من بتوع الواد حودة... أحسن منهم .
يداعب أزرار هاتفه المحمول و هو يمنى نفسه بمفردات عالم ( جاره الطالب المغترب جدا )..زجاجات البيرة... شرائط الأفلام الرخيصة ... حتى إنه يتخيل وجود أنثى أرخص عنده ... لا يمنحه الهاتف إجابة
- فاضل لك كتير في الشقة ؟؟
- الصناعية شوية مغلبنى
- بس يالا هانت ... / كانت فين / ... / ربنا معاك في الباقي / .

يسقط بأذنه فى حديث مجوعة الشباب الأخضر التي التفت حول المنضدة المجاورة له ... يتبادلون كلمات تواجه الحياة بعمق
... يغادرهم بسرعة ... يبحث بداخله عن أسباب تجاهل رناته المتواصلة ... جاره مؤخرا أطلق عليه لقب ( البراشوت ) .
- هي الحكاية ........

رنين ( التت الشرقى )المفاجئ من هاتفه يغادر بعلامة الاستفهام أثناء تصاعده ... يستقبل مكالمته في صمت لم يقطعه سوى همهمتين ثقيلتين قبل أن ينتهي منها .
- جوز أختي عايز يطلقها .. طيب أنا مالي ؟ .
- ( و تواصل قوات الاحتلال توغلها في القطاع مرتكبة جرائم حرب ... و أبلغنا مــــراسلنا أن أزمة رغيف الخبز تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن ...( فاصل إعلانى )
.. بعد النشرة نواصل مع ضيف الحلقة البرنامج الإجابة على سؤال- " هل يوجد رجل عانس ؟؟ )
- بلا قرف .. ناس غاوية توجع دماغها .
جملته العاليه بصخب شاذ ... دفعت إليه نظرات زبائن القهوة بشرر ... تخترق مكانه المزوى - للمرة الأولى -

الأحد، 31 يناير 2010

مينى مام ... ( قصة قصيرة )


كثيرا ما اعتاد على رؤية هذا المـكان و أضواءه الساطعة تواجه بجرأة ظلمة الشاطئ المتوازى مع امتداد طريق الكورنيش الجديد من وراء نافذة أتوبيس ( الوردية ) خلال نوبته اليومية قبل أن يغادر به رفاهية الكورنيش إلى العشوائيات المستكينة بعبئها في الخلف ... لكن هذه مرته الأولى التي يجلس فيها كواحد من رواده رغم وضوح مظهره المتواضع الذي يفرضه عليه دخل الشركة الثابت . بعد أن اختارته مائدة عند أقصى الزاوية ليجلس مع أوراق روايته الأولى .
- أخيرا ... أجلس معهم .
يدور بمقلتيه وراء عدسات نظارته الطبية لعله يجد من بين الشعور المتطــايرة والمقـصوصة المتناثرة في المكان عيونا يقطع معها ( حالة انتظار ) إلا أن يحين موعد ثالث بعد اعتذار مرتين من المخرج المعروف الذي طالما اقتفى أثره من مكان لأخر أمـلا في أن يجعله يرى روايته التي اقتطع لها شهورا من عمره حتى أصبحت الأمل الوحيد له في حياة أخرى .
- لماذا تأخر هكذا ...... ؟
- هذا هو حال المشاهير .
يقبل المبرر الذي يلقيه له عقله ... يعود بهدوء مبالغ يفتش عن شخصياته بين الورق .. الشاب " طاهر " الذي اعتاد أن يتلصص على جارته مع سيطرة الليل .. و " شادية " الزوجة الغانية التي تعلم بتلصصه وفي كل مرة تزيده لهيبا .... لكنه عندما يصل لشخصية للـــزوج الـــثائر الذي يكتشف فـعلة " طاهر " يغلق أوراقه ... يمسح من جديد تلك الوجوة المرسومة .. يجدها فى الزاوية المقابلة تستقبله بنظرة راغبة مسلطة عليه جعلته يدير دفتى وجهه المندهش يمينا و يسارا ... يتأكد إنه المقصود بها.
- هل تجاوزت عن شعيراتي البيضاء التي فاجأتني و أنا مازلت أبحث عن الطريق ..؟
تصر على نظرتها الموجهة إليه ... كاد أن يسمح بميلاد ابتسامة مجاملة لها , إلا أن حكايات صديقه المجرب في الشركة الذي لا يكف عن سرد أساليب المد و الجذر التي تحاصر الأنثى بها كل من ترغبه تجهضها داخل تردد .
- يكفيني ما أعانيه من حصار .
يتصنع الانشغال عنها إلى شخصية الزوج الذي يطارد " طاهر " ليقتص منه بعد أوقعت به " شادية " وهى تتصنع الشرف ... يعود إايها بنظرة متسحبة ... تقابله هى بنظرة سافرة تقصده بلا خجل

- هل ترغب فى فعلا .... ؟
يتنازل بسرعة عن كل الآراء و النصائح التى اكتظ بها ... يبحث داخل جعبته الضيقة عن طريقة يبقيها بها حتى يتجاوز الموعد ثم بعدها سيمتطى صهوة اللحظة معها .. يسلم معها أخر ما تبقى من مفاتيح شبابه .
- ما المانع أن أدعوها ؟؟ - إنه هو نفسه سوف يتودد لي عندما يراها معي .
يشير لها بالاقتراب .... صوت دقات كعبها العالي على الأرضية الرخامية تخترق قدرات اتزانه بنضج أنثوي لم يلمسه إلا في خيال الروايات الأجنبية التي تكاد تستعمر مساحة حجرته في منزل العائلة ... تتسارع بداخله أفكار الموقف الأول ... يقف؟ .. يبتسم ؟... ينحني بأدب ؟ يسلم عليها ؟ يقبلها .... ؟ أم يبدأ معها مباشرة الحياة ؟ لكن عند لحظة القرار يراه ينتصب أمامه بزيه الزاهي ... يسأله بأدب مرسوم
- تشرب إيه يا بيه ..؟
- عندكم إيه ؟
- كل حاجة في القايمة إل قدام سعادتك .
يحاول أن يختزل الحديث الذي جاء في غيره موعده بنظرة هابطة .. صاعدة على أصناف القائمة تلتقط له أى اسم يبعده به خارج سخونة اللحظة .
كريم كرامل ... ( 20 جنية ) .... سلاد فروت ... ( 16 جنية ) ماذا يطلب ... ؟ إنه قد يعمل أياما كاملة بين أوراق لا تتغير ملامحها ليتحصل على رقم شبيه من هذا .... تتجاذبه بقوة برودة المثلجات وسخونة الأسعار تلفحه ... في حين تواصل هى اقترابها بكل ينابيعها شطره .
- أنا كمان مفروض أطلب لها حاجة .
يتذكر نصيبه في مصروف البيت فمعاش والدته لا يستطيع أن يواصل الماراثون الشهري بمفرده .... المرتب يتناقص .... شهرية أخته المطلقة بأولادها .... المرتب يتضاءل ... قسط الجمعية مع زملاء العمل التي يأمل منها أن تذيب بعض جليد العزوبية المتواصل في حياته ... المرتب يتلاشى .
- ماذا سأفعل أيضا عندما يأتى المخرج ؟
- تطلب إيه يا بيه ؟
يلعن داخله اللقب المزيف .... يسقطها مرغما ... تتوقف هى فى منتصف المسافة ... ينحدر بنظرة متكسرة نحو ذيل القائمة .
- هات كوباية شاي سادة .... قالها بكل صوته المخنوق .

السبت، 30 يناير 2010

انتقل إلى .... - ( قصة قصيرة )


( 1 )

هى ... لم تعلم شيئا عن تلك الاستفاقة الإجبارية التي دفعت به إلى فراغ النافذة الواسعة يبحث عن نسمة باردة تذهب بتكاثف حبات العرق على جبهته ... تكاسل حركة الهــــواء الممتد مــع خضوع حى ( القلعة ) لصمت كامل يدفعه من جديد إلى السرير ... يتراشق مع سقف الحجرة بنظرة شاردة ... يستجمع نفسه من أطراف هذا الحلم الغريب الذي اقتحم عليه رغبته الشــديدة في النوم .

( طريق ملتوى ... شخوص ترمقه بنظرة لا يفهمها ... بعض الإيماءات تشجعه على للتقدم رغم زحف موجة ضباب نحوه ....)

عاد للنوم و منه إلى حركة يديها ... تهزه بطريقتها الحانية المعتادة ... تتركه للحظات فى تلقائية معتادة ... تطلق ضوء الصباح المتزاحم خلف النافذة فى ترتيب يومى تلحقه كلمات محببة تستقبل الحياة .. يستدير بالجذع ترافقه خفة لم يعهدها ... ينادى عليها .. تفاجئه يتلوى ملامح وجهها بين عــــلامات الدهـشة و الصدمة ثم تمنحه لقطة واسعة من الفزع ... يندمج بالحاجبين بينما تسقط هى داخل صيحة مشــروخة جمعت في أطرافها كل أحياء الشقة كتلة واحدة متلاصقة و ما تزال علامات الرغبة في النوم تغلب عند باب الغرفة ... يتناوبون ترديد سؤال واحد .
- إيه إل حصل ... ؟
تجيب عليهم بإشارات متداخلة نحوه وهى تواصل السقوط
- هو فيه إيه ... ؟
يتأكد من نفسه .... ثبات أغراض الحجرة .... انزواء مكتبه .... أوراقه المتناثرة بعد أن أدركه التعب دون أن تصادفه نهـــاية منطقية لقصة قصيرة يكتبها ... كل شيء ... هو نفـس كل شيء إلا بعض رائحة برودة تلسعه .

- لا حول و لا قوة إلا بالله
- خير.... ؟ مالكم ... ؟
لا يحصل منهم على أي إجابة .... تنهال عليه حركات أيديهم المصدومة تنغرس بجسده النحيل بشغف كأنها ترغب فى تأكيد وجوده , حتى والده الذي ينصـــحه دائما بأن دموع الرجال ضعف يراه ينغرس فى الزاوية متكوما على نفسه يغمره حزن مفرط .
- فين شرايط القرآن ؟
- في درج ( النيش )
ينتقل بنظرة متعجبة بين أخيه الذي لم يتوقف حتى وقت متأخر من ليلة أمس عن الاستماع لمطربته الشقراء التي يحلم بأن يقابلها حقيقة لو لمرة قبل أن يغادر الدنيا ... و أخته التي تخطت أعتاب الأنثى في سنواتها الأولى . حتى إنها فقط قبل ساعات أخبرته بأن هناك أحدا يراها فتاه أحلامه ... و قد رغبت هي فيه .

يغمس أطرافه في الضوء المندفع لينفـــلت عنها تكوين الظل بـشكل مباغت ... يعيدها بجواره سريعا مع تكرار سؤال مشابه .
- هو إيه إل حصل .... ؟
ينسحبون مع خطواتهم المهتزة إلى خارج الغرفة ... يعود بوحدته يبحث عن إجابة بين أروقـة الحلم المشتبك عنوة بدرجات الذاكرة
" يخطو بينهم في استسلام ... الضباب يتجمع أكثر ... تتبعه نصف ابتسامة مشجعة على وجوه الشخوص ) .
- أكيد ده هزار بايخ . ... أنا لسه هنا .

لم يسلم مفتاح هواجسه لتحذيرات الطبيب عن تهاوى حالة القلب التى تحولت لرفيق مزعج استسلم لصحبته المفروضة عليه ... فهو أعتاد أن يكمل بجرعة حياة خاصة .

( 2 )

الأصوات المتتابعة من وراء باب الغرفة تزج بغضبه نحوه ... يتوعدهم بوقف هذا المزاح السخيف فهو مازال لديه الكثير على قائمة حياته لم ينفذه ... يندفع بشبابه ... تستقبله لوحة الأسود تتقاسمها أجساد الجيران وبعض المعارف الذين أعتاد أن يقابلهم إلا صدفة في عزاء أخر و قد تناثروا في صالة الشقة حيث أصرت والدته أن تضع صورة تخرجه الحديثة في مكان مرئي .. لتؤيد وصلتها التفاخرية بوقفته الواثقة عندما تشرع فى مسايرة أى حديث مع جارة .
- صغير يا ختى .
- شدي حليك .
- أمانة و رجعت لصاحبها .
لا يعترف بما يحدث ... الكل يريد أن يسرق منه لذة الصباح في هزار ثقيل حتى " ولاء " جارته التي شاركته لعب الطفولة و عبرت معه على السنين حتى جمعت بينهما نظرة تنزوي برعشة في حضن والدتها .. و هي تردد أحيانا اسمه في عواء ضعيف .
- هما بس عايزين .... يعملوا حكاية على حسابي ؟

( 3 )

يجذبه سكون غرفته و قد زاد حمل حيرته من تصرفاتهم البكائية .. يصطدم بوجه مصمت يشرع في أن يخلع عن جــــسده ملابسه رغما عنه , ثم يباشر سكب الماء عليه و هو يتمتم بآيات تر دد صيغا كثيرة للموت ... ينهره .. لا شئ يتغير بينهما .. يتابع بصدمة قطع القـــطن تسـد الأذنين , و قماشا أبيض يحكم بطياته كل جسده .
ينزوي بطيفه إلى ركن الغرفة يراقب للمرة الأولى جسده المسجى على لوح خشبى بارد ...

- هل جاء فقط ليرحل بنصف عمر ؟
- أسيرحل فعلا لحساب كامل ؟
- الوظيفة ... الارتباط .. الحياة المستقلة ... الصراع مع المجهول .. باتت تفاهات مفتوحة ؟
تأتيه نهاية حلمه تؤكد عليه الحقيقة رغم مقاومته للفكرة .
( الطريق ينحنى ... شخوص تتلاصق تقطع عليه طريق العودة ... طبقات ضباب تغمره بزيادة ... يختفي ) ... أدركها بمفرده ... بينما شرع صوت مقتضب متحشرج يلفظ فى ميكروفون المسجد المجاور حروف اسمه داخل ساعات الصباح المرتعد .

الثلاثاء، 26 يناير 2010

حصة جغرافيا .... ( قصة قصيرة )


لم تستطع أن تخرج نفسها من نـوبة الشرود التي تعتريها منذ أن استيقظت هذا الصباح .... ألقت بالتـــاريخ و العنوان على السبورة دون أن تشعر .
- حقول للميس
- متقدرش
تلتفت ... نظرتها تتوه بين الأجسـاد المندمجة في لون واحد أمامها .... تتذكر أنها مازالت مسئولة عن ثمانين حـلما .... تعــود لدفترها المفتوح على خريطة مصر قبل أن تعـــيد رسمها على السبورة اللون الأزرق لنهر النيل..... و الأصفر صحارى .... قليل من اللون الأخضر ... تواصل الرسم بأصـابعها المنغمسة فى تداخل ألوان الطابشور تشكل لهم وطنا صالحا للاستعمال .
- ميس .... ميس .
- أيوه..... مصر فيها تمانية و عشرين محافظة يا ولاد
ثم أشارت بطرف أصبعها ... حيث انحناءة قنا

انفلتت منها ابتســامة جاءت مصحوبة بحالة تذكر .... هناك رأت هيئته المحببة للمرة الأولى .. يتبعها .. تصده ... يتبعها ... تلمحه بخجل ... يتبعها ... تلين ... ثم معا يتمنيان حياة بدرجة الانصهار لكنهم أجبروها بقانون الجنوب أن تنفيه إلى أعماق الذاكرة المحرمة .

صاروخ ورقى يخترق مجالها الملبد بمزاج متعكر ... التفافه سريعة منها ترفع جدار الخوف داخل عيون التلاميذ المرتعدة من العقاب تكاد توشى بالجاني ... تختار أن ترفع عنهم هذا الحصار .
- خليكوا معايا .... مصر دولة عظيمة يا ولاد .
التلاميذ يزدادون التصاقا و هي تأخذهم من البحر إلى الصحراء من الشبع إلى الجوع في حركة يد
- ميس خالد أخد قلمي .
- كداب يا ميس
...... هنا بني سويف ..... و الجيزة.... و القاهرة
المدينة الكبيرة ... ابنتها المراهقة التى تبدأ هناك لنفسها حياة جامعية
- ياترى هى معاه دلوقتى ... ؟

ففي كل مرة تضيف ابنتها جزءا لقصة شاب تشابكت معه بحلم ارتباط
- الأهم من ده .. تخلى بالك على دراستك و نفسك .
سرعان ما يحتويها حضن و قبلة من ابنتها تفرغ منها قلقها ... و وعد بأنها لن تفرط يضع نهاية مؤقته لخوف دائم قبل أن تتركها تعود له .
- يعنى مكنتش عارفة تجيب الدرجتين الفرق عشان تفضل معايا هنا في إسكندرية ..؟؟
تطارد بزفير مخنوق هاجسا يركب أمامها مشهدا تخيلا ... ابنتها و هو ... يمتطيان معا صهوة شباب جامح ... تبعده بزفير أطول .

تتذكر الخريطة .. تعود إليها مسرعة ... تلقى بنفسها عند أعلى الخريطة .. ( الإسكندرية ) .
هنا رأت ( المالح ) لأول مرة في حياتها مع زواج ترافق فيه شبحا يعيش داخلها بالاسم فقط ... انوثتها تتحجر ... اعتادت على سقوط - اللون الأساسى – فى قصتها معه .

- فاضل قد إيه من الحصة ..؟
- عشر دقايق
- ياه .... مادة مملة .
تبعثرها شحنة غيظ متراكمة ... تراه يقبض على طرف جملته .... تواجهه
- أخرس يابن ..........
تنتفض بكينونتها ... كلية الآداب – قسم جغرافيا – تقدير جيد جدا ... ظنت إنها سوف تحرك الجغرافيا و تثبت التاريخ كأول فتاة من العائلة تعرف طريق الجامعة
- بس !! ... مدرسة مادة مملة ؟
صوت الجرس المتكهرب برعشة ينتهى زمن الحصة ... تلملم أشيائها... دفتر التحضير.. دليل المعـــلم
و بقايا الطابشور ... تتصنع عدم الاهتمام بهــتاف التلاميذ الفرحين بانتهاء الحصة رغم إنها مازالت تقف بينهم و قد تخلوا عن منظرهم الملتصق .
.. تنظر إلى تقسيم الخريطة .... صوت هرج التلاميذ خلفها يتصاعد .
تقترب منها
الهرج يتكاثف
تقترب أكثر
تضاغط الهرج يستمر أكثر .
تتشبث بالأرض
فوضى الهرج
تأتيها من كل الأبعاد
تقترب أكثر و أكثر و أكثر .... من الخريطة .

الأحد، 24 يناير 2010

" زفاف .. على طريقة المخيم " ... ( قصة قصيرة )


هذه المرة الأولى التي يتجمعون فيها من أجلى ... شوارع المخيم الضيقة تحمل وقع أقدامهم المتجمعة إلى وراء النافذة ... أخى يعلن فيهم أني على وشك استـــقبالهم ... ظلال حركتهم تقتحم أحيانا فتحات ( الشيش ) .... يرددون فى إيقاع موحد

دير الميه ع السريس مبارك عرسك يا عريس
دير الميه ع الليمون مبارك عرسك يا مزيون
دير الميه ع التفاح مبارك عرسك يا فلاّح

أخيرا .... وجها لوجه سنتقابل دون أن اتابع بتوتر عذرى خلف ( الشيش ) اندماجها مع بأغنية تبدأ بحلم لنا وتنهى بانتظار ... في أول مرة لنا معا قالت إنها كانت تشعر دائما بوجودي .
- لماذا كنت تنتظر ؟
- لأني أرغب في حياة أنتِ فيها .
أمي تطلق زغرودتها الرنانة التي تتباهى بها ... طبق العجين مع أعواد الريحان و ورق الورد ( 1 ) فى يديها تنتظر أن تبارك فينا حياة جديدة
- اسنمضى معا...؟
- نعم ... لقد خلقنا لنكون معا .

ابحث عن كوفيتي المنقـطة بهوية عالمى - أبيض / أسود - ... اجدها تتحدب و تتقعر بين انحناءة
أبى الجالس على نهاية حدود جسدي المسترخي على السرير .
- هل ينتمي لها لهذا الحد ...؟
اعتاد أن يجعلها أول شئ يروه منا خلال غزواتم الجائعة لأى صيد جديد من أبناء المخيم ... اليوم سأرتديها من أجلها .
- ارتديها دائما.. حتى يبقى بداخلى أمل .
أحاول أن الفت انتباهه ... يسبقني بحركة مكهربة يـلف الكوفية حول رأسي الذي يقهرنى بتشتته منذ الصباح في إحكام مرة تلو المرة ... أشعر بأن رأسي قد استعاد تدويره من جديد .


- ماذا سنغنى هذه المرة ؟
- مثل كل مرة نزف فيها حبيبا .
دفء أصواتهم يزيح بمسافة إحساس الرطوبة المتكوم حولى منذ أن عدت مع " بو هشام " جار الجدار الذى سـبقنى بخطوات فى الحياة ... تقابلنا كما تعودنا عند شجرة الزيتون الوحيدة برأس المخيم حتى يجعل منى تلميذا لنصائـحه الساخنة .
- تعلم منى ..إذا تريد أن تصنع حياة.
قبل أن يبدأ ألتفوا حولنا بطوق حصار مربع ... يخمد كلماته المفعمة بالحياة ... يطلبون اسمى بالأمر ... " بو هشام " رد بحجر متمرد اتبعته بأخر يضع نهاية الكابوس ... عدنا للمخيم ... أبى أصر هذه المرة على عدم خروجى قبل أن اتجهز من جديد
- هل سيبدأ في تعنيفي ... ؟
أختار أن يكمن داخل صمته ... يدور بحزم يحتوى جسدى في تلك البذلة التي اشترط عـــــلى الحاج
" سعفان" أن يحكيها بخيوط عربية خالصة لدرجة إنه في كل مرة نذهب فيها إلى دكانه يرفع القماش نحو وجه الشمس يتفحصه خيطا خيط .
- لا داعي للقلق .... فالكل هنا مثلك .
- أنا أريدها حرة مثله .

صــوت الطرقات على الباب تجعله يسرع في تهيئتي .... أزرار القميص... الجاكت ... العطر المفضل لي قبل أن يســمح لها بالدخول.
- ما الذي أتى بها..... ؟
لقد كنت أنوى أن انغرس بالجذع ثم انتصب و ذراعي تحتويها .. تلقى كل تضاريسها المضطربة على مسطحى الـبارد .... تبحث فى هزات عشوائية عن أحلامها المشـــــــتركة ... شفتيها المصدومة , دمعة مكهربة ...زحف أناملها المرتعشة يدرك مرور تلك الطلقة اليعقوبية من جبهتى ... تسقط بعمق .
بينما فى الخارج اسمعهم يشرعون فى اختيار أغنية بها عواء متصل .

------------------------------------------------
( 1 ) : طقس تمارسه الأسر الفلسطينية لمباركة بيت الزوجان

الخميس، 21 يناير 2010

حكاية للمسى .... ( قصة قصيرة )


( 1 )


خيار وحيد ... أمام رغبة والدى المصرة أجبرنى أن انزوى بكل ضآلتى داخل الفتحة الضيقة المختبئة بعناية بين بقايا سلال التخزين المعلقة فى سقف المنزل " الزينكو " الذى سمحت تعريجاته بأن أمسك بذيل أنفاسى الهاربة أمام فيض عاصفة كهربائية ولده شدة التوتر داخل خلايا جسدى البسيط الذى يلامس باستحياء أعتاب حكايات المراهقة الأولى ... أعيد ترتيب الحدث و قد اسـتوقفنى جندى ( بنجمته اليعقوبية ) يقطع عنى الطريق الترابى ... اتجمد و معى هزال حمارى المعلق فى عربة جر يعرفها أهل المخيم الذين قهرتهم تلذذ ساعات الانتظار من أجل عبور حاجز ... ضلوعها الخشبية و عجلاتها
(الكاوتشوك ) المتآكلة تحملهم على المغامرة من أجل أن تتماسك مفردات حياتهم اليومية أمام انفطار الوطن ... أما أنا فقد أوشكت على تجميع ثمن بنطال أخر لم تشرع فيه طعنات القدم تسقط أجزاءه .قبل أن ينبثق هو بسلاحه أمامى من العدم .
... خاطبنى بلكنة .. خاطبته بلغة ... لكنى لم استطع أن أصمد بخوفى طويلا أمام فوهة البندقية التى أطلت منها رأس صغيرة للموت.... أنفلت أجرى ... تلاحقنى رصاصة تناول مقتلها صدر حجر قريب .... تعثرت بعدها مرارا ... ألقى خلفى نظرات فزع حتى تسلمتنى روائح بيوت المـخيم مع ذبول الشمس
أخيرا باب الدار ... سقطت فى حـــجر والدى ببعض جمل مختصرة تغلفها رعشة لا تـــنتهى أعيد له صوت تلك الطلقة التى اسكتت خطوات حمارى على الطريق ... تماسك والدى المعهود يخمد رؤوس آسئلة تردد .. ماذا سيحدث بعد ذلك ؟
- ما تخاف ... ما حدا يقدر يسوى إلك شى طول ما إنى هون .
بخطوتين متعجلتين على سلم ظهره المنحنى لأجلى اتلاشى داخل كثافة ظلام الفتحة الضيقة ... يعيد لملمة جمود الأشياء حولى .
- هل بذلك يحمينى أم يعاقبنى ؟
اشعر بحرمانى المقصود من جلستى المعتادة داخل حلقة أصدقاء أبى الذين اعتادوا بأعمارهم الهرمة أن يتجمعوا حول موقد الشاى فى حوش الدار يتبادلون حكايات المساء .... عادة ما تذهــــب للماضى وتعود محمله بشـخوص وأسماء وجغرافيا مختلفة ومرارة متواصلة ..اندمج فيها كثيرا .. و أنا أسايرفراغ فترة الظهيرة باسترجاع أحداثها مع رفقائى المغبرين بتراب الطريق مــعى ... أبى دائما يقول " الحكاية تحمى أصل الحياة لنا "... آمنت أنا بذلك ... أتسلل بشغف داخل حكاية الـحاج " أبو سعد " الذى أوقفه جندى شرس أيام الشتات الأولى ليرى بطفولته المرتعبة كل أهله وقد تكوموا داخل الخندق كتلة متراصة واحدة مختلطة اختلاطا دمويا فيما كان خيط من الدم الأحمر يجمع مصيرهم ....بل إنه مازال يتذكر جملة الجندى الساخرة بحروفها .
- تذكر هذا جيدا وأنت تحكى الحكاية ... هيا أركض .
يكررها بنبرة اختناق ... يندفع اللون الأحمر الغاضب إلى وجه عم ( سعيد ) صديق الدرب مع أبى الذى عبر معه جبال الأردن و قفزا عبر النار وزحفا تحت الأسلاك الشائكة و لوحوا بأسلحتهم أثناء التدريبات التى كانت تطلق زغاريد نساء المخيم وتصدح بالأمل .
- لقد أذقناهم نفس الألم .. با أبو سعد لا تحزن .
أبى يدعم حكاية عم سعيد بإيماءة مؤكده .... عم سعيد يخبر الجميع بان ( غسان كنفانى ) كاتبنا الذبيح قد جعل منهما بطلا لقصته .
أواصل التعبئة .... بينما أغط فى مساحة خيالى أبحث عن ملامح قريبة لبطل قصة أعتاد أبى أن يحكيها عن شخص مثلنا استطاع فى فورة صدام مع قطيع مستوطن أن يحرر منهم قنبـــلة يدوية
مازال يوليها رعايته ويطرد عنها أى شبح للصدأ قد يسكن تجاعيدها المعدنية داخل علبة خاصة صنعها لها بنفسه ... ينتظر يوم أن يردها لأصحابها على طريقته .
تتكاثر عليه الأســـئلة عن اسم بطله وعن عائلته ومن أى مكان جاء وعن ملامحه.... لكنه يكتفى بنفس الإجابة المتهربة
- اعتبروها مجرد قصة .
( 2 )
يتوسطهم الموقد ... يجمعهم القلق حول صورتى المتصدرة شاشة التلفاز بحفنة من الأكاذيب التى لم تمر حتى بالفرب من عقلى المشغول بلون البنطال الذى أحلم دوما به .
علامات القلق تملأ عيون الجميع .... أمى تتوسل أبى أن يذهب بى إلى منزل خالى فهو أكثر أمانا فى نظرها .
- ليش ... ؟ هايدى داره .
تتشابك معه آراء سكان المخيم تبحث عن حل سريع لا يلقى بسنين عمرى الأولية وراء شمس " عوفر " ... و مجدو سالم ... " و " النقب " .. و "الكريمل " ... ( 1 )
- وين يعنى يروح ؟ أما أتدرون ... نحنا مازلنا فى زمن الاشتباك .
نبرته الواقعية أسقطت كل الكلمات المعلقة على شفاة المقترحين ... أصدقاء أبى يصرون أيضا أن يقابلوهم هنا

- أخيرا .... أصبحت لنا قصة حاضرة تجمعنا معا .
ينسحب أبى إلى غرفته برهة ثم يعود بكوفيته تطوف بنقطها الحمراء حول رقبته .... والدتى تواصل إعداد أبريق الشاى مبللة بغشاوة دمعية لم تجف منذ أن قابلهم أخى الأكبر أيضا عند صلاة الفجر مرة .... و لم يعد بكينونته .
... كنت أنا من تبقى لها

( 3 )

صرير عجلات سياراتهم المصفحة ينزع هدوء المخيم , وأنوار كشافاتها الساطعة تغشى ضوء مصباح الدار المتواضع ... صوت هجين ينبح باسمى فى الميكرفون ... أسكن جسدى التحفز ... والـــدى يبدو
كأنه تخلص من جرعة الفزع خلال حكايات الماضى التى سكنته ... اقتحموا ببــذاتهم الداكنة الخط الفاصل بيينا وبينهم .... بالأمر أوقفوهم صفين تتصلب أيدهم فى الهواء .... حبات العرق تتكاثف على
خوفى الملتصق بجبهتى ... أعلن أخـيرا جنديان بأن الدار خال من أثرى .. ابتسـامة ساخرة كاملة على وجــه أبى الملقى بثقل سنينة الستين على عكازه يترأس الصف يمنحها لهم .... تنطلق إشارة عصبية من قائدهم ... يجذبونه معهم إلى سياراتهم التى تنتظر عودتهم بأى صيد .... أعوى فى مكانى من قسوة الضعف ... اسمعهم يزجون به داخل لغتهم ... استغرب استسلامه لهم ... بنظرة ملتاعة من فتحة السقف اتابع طابور السيارات يرحل ,لكن عند رأس الشارع دوى انفجار هائل أطاح بنصف الطابور وضاعت أشلاء كثيرة بين الحطام .
لم أعرف السبب لعدة أيام و أنا أعبر جنح الظلام نحو جبال الأردن مع أمى التى أخرجت ذات مرة من صرتها البيضاء المعقودة بعناية - علبة معدنية فارغة - تسألنى فى فضول حزين
- أتعرف ... لمن هذه ؟

-----------------------------------------------------
(1 ) أسماء لأشهر سجون إسرائيلية