هذه المرة الأولى التي يتجمعون فيها من أجلى ... شوارع المخيم الضيقة تحمل وقع أقدامهم المتجمعة إلى وراء النافذة ... أخى يعلن فيهم أني على وشك استـــقبالهم ... ظلال حركتهم تقتحم أحيانا فتحات ( الشيش ) .... يرددون فى إيقاع موحد
دير الميه ع السريس مبارك عرسك يا عريس
دير الميه ع الليمون مبارك عرسك يا مزيون
دير الميه ع التفاح مبارك عرسك يا فلاّح
أخيرا .... وجها لوجه سنتقابل دون أن اتابع بتوتر عذرى خلف ( الشيش ) اندماجها مع بأغنية تبدأ بحلم لنا وتنهى بانتظار ... في أول مرة لنا معا قالت إنها كانت تشعر دائما بوجودي .
- لماذا كنت تنتظر ؟
- لأني أرغب في حياة أنتِ فيها .
أمي تطلق زغرودتها الرنانة التي تتباهى بها ... طبق العجين مع أعواد الريحان و ورق الورد ( 1 ) فى يديها تنتظر أن تبارك فينا حياة جديدة
- اسنمضى معا...؟
- نعم ... لقد خلقنا لنكون معا .
ابحث عن كوفيتي المنقـطة بهوية عالمى - أبيض / أسود - ... اجدها تتحدب و تتقعر بين انحناءة
أبى الجالس على نهاية حدود جسدي المسترخي على السرير .
- هل ينتمي لها لهذا الحد ...؟
اعتاد أن يجعلها أول شئ يروه منا خلال غزواتم الجائعة لأى صيد جديد من أبناء المخيم ... اليوم سأرتديها من أجلها .
- ارتديها دائما.. حتى يبقى بداخلى أمل .
أحاول أن الفت انتباهه ... يسبقني بحركة مكهربة يـلف الكوفية حول رأسي الذي يقهرنى بتشتته منذ الصباح في إحكام مرة تلو المرة ... أشعر بأن رأسي قد استعاد تدويره من جديد .
- ماذا سنغنى هذه المرة ؟
- مثل كل مرة نزف فيها حبيبا .
دفء أصواتهم يزيح بمسافة إحساس الرطوبة المتكوم حولى منذ أن عدت مع " بو هشام " جار الجدار الذى سـبقنى بخطوات فى الحياة ... تقابلنا كما تعودنا عند شجرة الزيتون الوحيدة برأس المخيم حتى يجعل منى تلميذا لنصائـحه الساخنة .
- تعلم منى ..إذا تريد أن تصنع حياة.
قبل أن يبدأ ألتفوا حولنا بطوق حصار مربع ... يخمد كلماته المفعمة بالحياة ... يطلبون اسمى بالأمر ... " بو هشام " رد بحجر متمرد اتبعته بأخر يضع نهاية الكابوس ... عدنا للمخيم ... أبى أصر هذه المرة على عدم خروجى قبل أن اتجهز من جديد
- هل سيبدأ في تعنيفي ... ؟
أختار أن يكمن داخل صمته ... يدور بحزم يحتوى جسدى في تلك البذلة التي اشترط عـــــلى الحاج
" سعفان" أن يحكيها بخيوط عربية خالصة لدرجة إنه في كل مرة نذهب فيها إلى دكانه يرفع القماش نحو وجه الشمس يتفحصه خيطا خيط .
- لا داعي للقلق .... فالكل هنا مثلك .
- أنا أريدها حرة مثله .
صــوت الطرقات على الباب تجعله يسرع في تهيئتي .... أزرار القميص... الجاكت ... العطر المفضل لي قبل أن يســمح لها بالدخول.
- ما الذي أتى بها..... ؟
لقد كنت أنوى أن انغرس بالجذع ثم انتصب و ذراعي تحتويها .. تلقى كل تضاريسها المضطربة على مسطحى الـبارد .... تبحث فى هزات عشوائية عن أحلامها المشـــــــتركة ... شفتيها المصدومة , دمعة مكهربة ...زحف أناملها المرتعشة يدرك مرور تلك الطلقة اليعقوبية من جبهتى ... تسقط بعمق .
بينما فى الخارج اسمعهم يشرعون فى اختيار أغنية بها عواء متصل .
------------------------------------------------
( 1 ) : طقس تمارسه الأسر الفلسطينية لمباركة بيت الزوجان
0 التعليقات:
إرسال تعليق