1-
لم يشغل باله كثيرا بتحديد السبب الذى جعله يستسلم لخطوته المسرعة عن قصد تـلحق بالصف الأخير لتلك كتلة المنسحبه فى صمت لا يخلو من بعـض همهمات متحسرة تتناسب نبرتها المنخفضة مع ارتفاع ذلك الصـندوق المحمول أمامها على الأكتاف بدلا من أن يعود بهمه المطبق على ضلوعه لغرفته الضيقة فى الشارع المختق على ذاته .
ليدرك بنظرة واحدة أثر عبء ساعات القلق على وجه والده الذى لاعبه مرض الكبر .
حزن ملامحه منحه حق الانضمام للمشهد الغارق فى طبقات الآسى ليخترق معهم سكون مدخل باب ( النص) فى مقابر العمود التى كثيرا ما اعتاد على جرأة ارتفاع بعض رؤوس شواهدها المتلاصقة وهى تطل بوحشيتها من فوق سورها الأبيض المغبـر بضجيج مرور ( الترام الأصفر ) الذى يأن هيكله المتهالك تحت زحام أجساد تشتهى فى أعماقها لحظة الرقاد .. قد يكون يعرفهم أيضا أغلبهم .
حتى وصلات النواح والنحيب خلف الجنازات أعتاد أن يسمعها بنصف أذن .. نصف عين .. نصف قلب وهو منهمك يتجمع و يــنفرد بسنوات المراهقة والشباب على (فرش) الملابس الرخيصة الخاص بوالده فى سوق منطقة ( الساعة ) المواجه
لها بصخب حياة واضح .
2-
فقط أكد بضغطة عصبية على استمرار وجود الظرف المقسوم نصفين تحت ابطه والذى على ما يبدو قد فشل بحركة متعجلة أن يخفى طرفه الأصفر (الحكومى ) ..
حيث اعتاد على رفقة اكتظاظ أوراقه الرسمية الخاصة به فى كل مرة يرهن نفسه مـــنذ ساعات الصباح فى طابور الانتظار خلف ( أى ) فرصة عمل قبل أن يعود فقط ومعه قدمين منتفختين ... حتى هذه المرة له قد تكون المرة ؟؟ ... ( حقيقة لم يعد يريد أن يتذكر ) .
- يا ناس ... أنا معايا شهادة هندسة - بتقدير جيد .
- معاك كارت لحد مهم ؟
أحيانا كان يندهش .. يزوم ... يبرر ... يبرطم .... وأخيرا بات لا يقاوم ابتسامة ساخرة مقهورة تنفلت منه غصبا عند الإجابة عليهم .
3-
يحاول النفاذ بين مسافات الفراغ بين المشيعين ... يتماشى مع المدقات الترابية ... يتجاوز لوحة رخامية مذيلة بتاريخ موت قديم ...أحيانا يركب بخطوته المصممة ركام قبر على وشك النسيان .. هاهو خلف الصندوق المغطى بالأخضر .
- بس هو مين إل مات ... ؟
- إيه ... دنيا فانية
- كان راجل طيب و الله .
تراشق جمل التهوين يتسع داخل الكتلة ... عرف عنه إنه غادر الحياة بهدوء و لولا صرخة ابنته الممطوطة كالعادة فى هذه الأحوال لما عرف أحد برحيله .
- يا ترى كان معاه كارت حد مهم ؟
كتم فى صدره سخريته المرة ..حتى إنه اختار أن يتجاوز الصندوق وكتلة المشيعين إلى هناك عند القبر المفتوح عند تلك الربوة رغم ملاحظته بضع نظرات انتقاد
... تتبعه .
4-
استغل اندماج ( التربى ) فى استكمال ( طقوس الاستقبال ) الأخيرة حول المستطيل المفتوح قبل وصول الصندوق القادم من العمق ليعبأ نفسه برؤوس أسئلة ... هل هو غادر الدنيا بعد أن وجد نفسه ؟ ... هل جاء فى زمن بلا طوابير انتظار ؟ ... هل غدرت بسواد شعره شعيرات القلق ... ؟ هل أحس فعلا بأن سقف الغرفة يهبط كل ليل تحت وطأة زفرات الضيق ؟
- نفسى يا بنى أجوزك وافرح بيك .
- يابا ... محتاج كارت لحد مهم الأول .
عجز والده عن تلبية تلك الأمنية الصعبه استعاض عنها بعادة تفسير رؤيا نتيجة صلاة (استخارة ) بأن الأحوال ستكون على ما يرام مع كل مقابلة ... يذهب .. ينتظر .. ينتفخ ... ينصهر .. ثم يعود بانكساره إلى ( فرش ) الملابس الرخيصة .
- يا باشمهندس ... الا إل لا مؤاخذة الكمليزون ده بكام ؟ .
أشكال ناعمة تراوده حتى فى منامه .. بينما هو بات يتــأكد كل يوم أكثر من أن حقيقة ( لعنة ) ضعف حاله تجعله أكثرا التصاقا بهذا الفرش الذى بات يـــكرهه ... واليوم بالذات أمام سيل الكروت المصاحبة لرفقاء الطابور إلا هو ... آمن بها أكثر.
الصندوق هنا ...
أياد تتسارع لتكشف عن جسد ضئيل يحتويه ( الأبيض ) ... بجواره تسقط من الصدمة نقطة ســوداء تتكوم وهى تدمج وجهها فى حجرها مع نحيب متواصل لا يسمح بمرور الفـــراغ .. ببرود التعود ( التربى ) الغاطس داخل المستطيل يستقبل بداية الجسد المتراخى .
بينما هو يحاول البحث عن موقع رؤية أفضل لإجابات أسئلته .. هنا أطل عليه وجه الجسد الممدد فى الأسفل بعد أن خطت عليه حياة طويلة لكنها لم تهزم بعد سواد الشعيرات المرتبة رغم الموت والأكثر منها تلك الابتسامة الخفيفة التى أدركها على خلجات الوجة البارد المكرمش .
- أكيد كان معاه كارت واحد مهم .
يحاول أكثر من مرة أن ينسخ تلك الابتسامة إلى خلجات وجهه النافرة من ثورة غضب متراكمة .. يفشل ... يضم ضلوعه ألما حتى يدرك مرة أخرى وجود الظرف الذى باتت تتوسطه شبه دائرة من عرقه الذائب من وهج الانفعال ... تراجع به خطوتين ... تراودة بالقرب فتحة متهاوية لقبر يكتسحه السواد .
- يا أيتها النـــفس المطمئنة ارجعى إلى ربــــك راضية مرضية و ادخلى فى عبادى
وأدخلى جنتى .
.... بدون تردد أسقط فيها ظرفه الأصفر .
دعوات الختام ...
صوت الفأس تعيد ما بدأته .
أجساد تتهادى فى السواد تغادر الربوة بثقل فى شبه طابور
,,,, و هاهو يتقدمهم
إسلام البارون
7/9/ 2011
لم يشغل باله كثيرا بتحديد السبب الذى جعله يستسلم لخطوته المسرعة عن قصد تـلحق بالصف الأخير لتلك كتلة المنسحبه فى صمت لا يخلو من بعـض همهمات متحسرة تتناسب نبرتها المنخفضة مع ارتفاع ذلك الصـندوق المحمول أمامها على الأكتاف بدلا من أن يعود بهمه المطبق على ضلوعه لغرفته الضيقة فى الشارع المختق على ذاته .
ليدرك بنظرة واحدة أثر عبء ساعات القلق على وجه والده الذى لاعبه مرض الكبر .
حزن ملامحه منحه حق الانضمام للمشهد الغارق فى طبقات الآسى ليخترق معهم سكون مدخل باب ( النص) فى مقابر العمود التى كثيرا ما اعتاد على جرأة ارتفاع بعض رؤوس شواهدها المتلاصقة وهى تطل بوحشيتها من فوق سورها الأبيض المغبـر بضجيج مرور ( الترام الأصفر ) الذى يأن هيكله المتهالك تحت زحام أجساد تشتهى فى أعماقها لحظة الرقاد .. قد يكون يعرفهم أيضا أغلبهم .
حتى وصلات النواح والنحيب خلف الجنازات أعتاد أن يسمعها بنصف أذن .. نصف عين .. نصف قلب وهو منهمك يتجمع و يــنفرد بسنوات المراهقة والشباب على (فرش) الملابس الرخيصة الخاص بوالده فى سوق منطقة ( الساعة ) المواجه
لها بصخب حياة واضح .
2-
فقط أكد بضغطة عصبية على استمرار وجود الظرف المقسوم نصفين تحت ابطه والذى على ما يبدو قد فشل بحركة متعجلة أن يخفى طرفه الأصفر (الحكومى ) ..
حيث اعتاد على رفقة اكتظاظ أوراقه الرسمية الخاصة به فى كل مرة يرهن نفسه مـــنذ ساعات الصباح فى طابور الانتظار خلف ( أى ) فرصة عمل قبل أن يعود فقط ومعه قدمين منتفختين ... حتى هذه المرة له قد تكون المرة ؟؟ ... ( حقيقة لم يعد يريد أن يتذكر ) .
- يا ناس ... أنا معايا شهادة هندسة - بتقدير جيد .
- معاك كارت لحد مهم ؟
أحيانا كان يندهش .. يزوم ... يبرر ... يبرطم .... وأخيرا بات لا يقاوم ابتسامة ساخرة مقهورة تنفلت منه غصبا عند الإجابة عليهم .
3-
يحاول النفاذ بين مسافات الفراغ بين المشيعين ... يتماشى مع المدقات الترابية ... يتجاوز لوحة رخامية مذيلة بتاريخ موت قديم ...أحيانا يركب بخطوته المصممة ركام قبر على وشك النسيان .. هاهو خلف الصندوق المغطى بالأخضر .
- بس هو مين إل مات ... ؟
- إيه ... دنيا فانية
- كان راجل طيب و الله .
تراشق جمل التهوين يتسع داخل الكتلة ... عرف عنه إنه غادر الحياة بهدوء و لولا صرخة ابنته الممطوطة كالعادة فى هذه الأحوال لما عرف أحد برحيله .
- يا ترى كان معاه كارت حد مهم ؟
كتم فى صدره سخريته المرة ..حتى إنه اختار أن يتجاوز الصندوق وكتلة المشيعين إلى هناك عند القبر المفتوح عند تلك الربوة رغم ملاحظته بضع نظرات انتقاد
... تتبعه .
4-
استغل اندماج ( التربى ) فى استكمال ( طقوس الاستقبال ) الأخيرة حول المستطيل المفتوح قبل وصول الصندوق القادم من العمق ليعبأ نفسه برؤوس أسئلة ... هل هو غادر الدنيا بعد أن وجد نفسه ؟ ... هل جاء فى زمن بلا طوابير انتظار ؟ ... هل غدرت بسواد شعره شعيرات القلق ... ؟ هل أحس فعلا بأن سقف الغرفة يهبط كل ليل تحت وطأة زفرات الضيق ؟
- نفسى يا بنى أجوزك وافرح بيك .
- يابا ... محتاج كارت لحد مهم الأول .
عجز والده عن تلبية تلك الأمنية الصعبه استعاض عنها بعادة تفسير رؤيا نتيجة صلاة (استخارة ) بأن الأحوال ستكون على ما يرام مع كل مقابلة ... يذهب .. ينتظر .. ينتفخ ... ينصهر .. ثم يعود بانكساره إلى ( فرش ) الملابس الرخيصة .
- يا باشمهندس ... الا إل لا مؤاخذة الكمليزون ده بكام ؟ .
أشكال ناعمة تراوده حتى فى منامه .. بينما هو بات يتــأكد كل يوم أكثر من أن حقيقة ( لعنة ) ضعف حاله تجعله أكثرا التصاقا بهذا الفرش الذى بات يـــكرهه ... واليوم بالذات أمام سيل الكروت المصاحبة لرفقاء الطابور إلا هو ... آمن بها أكثر.
الصندوق هنا ...
أياد تتسارع لتكشف عن جسد ضئيل يحتويه ( الأبيض ) ... بجواره تسقط من الصدمة نقطة ســوداء تتكوم وهى تدمج وجهها فى حجرها مع نحيب متواصل لا يسمح بمرور الفـــراغ .. ببرود التعود ( التربى ) الغاطس داخل المستطيل يستقبل بداية الجسد المتراخى .
بينما هو يحاول البحث عن موقع رؤية أفضل لإجابات أسئلته .. هنا أطل عليه وجه الجسد الممدد فى الأسفل بعد أن خطت عليه حياة طويلة لكنها لم تهزم بعد سواد الشعيرات المرتبة رغم الموت والأكثر منها تلك الابتسامة الخفيفة التى أدركها على خلجات الوجة البارد المكرمش .
- أكيد كان معاه كارت واحد مهم .
يحاول أكثر من مرة أن ينسخ تلك الابتسامة إلى خلجات وجهه النافرة من ثورة غضب متراكمة .. يفشل ... يضم ضلوعه ألما حتى يدرك مرة أخرى وجود الظرف الذى باتت تتوسطه شبه دائرة من عرقه الذائب من وهج الانفعال ... تراجع به خطوتين ... تراودة بالقرب فتحة متهاوية لقبر يكتسحه السواد .
- يا أيتها النـــفس المطمئنة ارجعى إلى ربــــك راضية مرضية و ادخلى فى عبادى
وأدخلى جنتى .
.... بدون تردد أسقط فيها ظرفه الأصفر .
دعوات الختام ...
صوت الفأس تعيد ما بدأته .
أجساد تتهادى فى السواد تغادر الربوة بثقل فى شبه طابور
,,,, و هاهو يتقدمهم
إسلام البارون
7/9/ 2011
0 التعليقات:
إرسال تعليق