( 1 )
أجسادهم المندفعة ..
عند رؤوس الشوارع أخذت معها خطوط جسدى النحيل داخل كتلة ساخنة تنفلق منها رائحة العرق دون رغبة خالصة فى أن انضم لمسيرتهم التى تنهب أزقة الحى بخطى ضاعت هويتها .. تترامى من حناجرهم كلمات مسجوعة غاضبة .. تناثرت .. شكلت نوعا من الاحتياج
- " إسلامية..... إسلامية..... لا سنية ....... لا شيعية ".
هتفت معهم مرتين .... لكن مع أول انعطاف تخليت عنهم .. أشعل سيجارة رخيصة يتآكل قلبها بسرعة بينما أفكر فى طريق مختصر للعودة إلى زوجتى حيث تركتها فى غرفتنا الأرضية ... الطريق ينحدر مع خطوتى ... شاب يطلق فرشته المبللة بلون أحمر على حائط مجاور بجملة شهيرة " إذا أراد الشعب يوما الحياة .. فلا بد أن ... " .. قبل أن يكمل نهايتها ينفجر فجأة فى وصلة بكاء مسموع
- هل لا يستجيب له القدر ... ؟
مناظرهم المتداخلة بالعباءات السوداء والكوفيات المنقطة على البعد ... تجعلنى ابتعد أكثر و فى صدرى ضحكة مكتومة حين أتذكر رقصتهم الجماعية يوم سقوط الوطن تحت أقدام جحافل أصحاب القبعة ..أساير تعرج الطريق الترابى الضيق .. ملصقات تقابلنى عند رأس كل شارع تبيع أى شئ مقابل أى شيئ
- " منزل لعائلة .... سيارة صالحة للسفر ... أرملة تبيع يوما ... شابة تبيع جسدا "
أدفع بغيظى إلى عقب سيجارتي ... وابتعد عنهم أكثر .
بقية منهم يغمرون الطريق الموازى بسيل أخر من حناجر مشــــــروخة من شدة الهتاف ... أتوقف خشية التصاق أخر معهم ... أرى بينهم مناديل ورقية معطرة و سجائر ذات الكعب الأحمر تتفق على مــــعاودة الـــهتاف فى نفس الموعد غدا ... أطلق ضحكتى المفتوحة عليهم من وراء حائط استوعب منى لقرارا بالتوارى عنهم .. أجد عليه حل القضية القضية - " قاطع ... ساند .... قاوم " -
- هل يهتف فيهم هو الأخر ... ؟
كاميرات فضائية كثيرة تلتقط منهم صور تصلح لمادتها المتعطشة لمزيد من الهتاف ... أخرج من مكان إختبائى بخطوات نشطة أمنى نفسى بجلسة أمام التليفزيون لعل أحدهم التقط صورتى و أنا أهتف معهم .
- ( فاصل ) ...
( 2 )
ملتصقا بمكانى ...
انتظر خضوع عمود الدخان الساخن المتصاعد من كوب الشاى أمام لسعة البرودة التى تقذفها موجات الرطوبة المتســـللة من وراء الجدران بينما اتصنع بعض التكيف المضطر أثناء متابعتى لصاحب التقرير الإخبارى الذى أعتاد أن يبرم تقاسيم ملامحه جميعها وهو يعاود تكرار سؤاله اليومى .
- من لهذا الشعب ... ؟
أخيرا عمود الدخان لفظ أنفاسه ... احتوى زجاج الكوب بلمسة مجمدة اتبعها برشفة مطولة و أنا أبحث معه عن إجابة مشتركة .
( فاصل ) ...
من سويعات سقط عشرة شهداء
و من المتوقع أن يسقط عدد مماثل في الغد
لا يهم .
فنحن في الجنة وهم في النار
أغنية وطنية
أغنية عاطفية
أغنية إباحية ... " لسعيدة سلطان "
( 3 )
جسدها مارا أمامى ...
تنقل ثقل بطنها المتكور بين قدمين منتفختين و وجهها يلمع بحبات عرق مع كل حركة جديدة ... تدندن بصوت مزروع فى حقول التفاؤل مقطعا من أغنية مصرية قديمة .
- إحنا بلدنا ليل نهار ... بتحب موال النهار
- هل فعلا تؤمن بأن لدينا هذا النهار ؟
اترك سريعا جهد البحث عن رد و أنا أتذكر ذلك النهار الذي طاردت فيه والدها حتى يرضى بزواجنا بينما هو يشترط بأن أجهز لها بيتا واسعا مثل بيته لكن عندما قصفوه له عن عمد ... شاركنني هى حجرتي الرطبة ... أداعبها .
- إنتى " غنيمة ... زمن الحرب "
,,,, - تضحك برهة
ثم نشرد طويلا داخل الأمس .
( فاصل )
تم اغتيال مائة ألف حلم
وغدا ...
قد ندد
و بعد غد ... ؟
أيضا سنندد
أطفأ التلفاز ... وأجذبها إلى عالم الشهوة .
,,, رغم أن قصفا جديدا فوقنا قد بدأ .
( 4 )
من وراء فتحات شيش النافذة المتخلخل .
حمل الهواء الضجيج ... اضطراب ... صراخ على البعد ... مما جــعلنى انتفض فــــى وقفة متعجلة استطلع بنظرة متقلبة بين تداخل فراغ الشيش الجهة المقابلة للشارع حيث ســــياراتهم العسكرية أحكمت طوقها ... أردد لها بصوت مضغوط و بتكرار مبالغ فيه اســتنتجاتى عن الأسماء التى ستملأ فراغ سياراتهم .... هل المراد هو بيت الحاجة " فاطمة " التى فقدت أولادها فى قصف واحد ؟.. بل لعلهم يقصـدون بيت الشاب ( صهيب ) الذى يشاع منذ أيام إنه أمطر قاعدتهم المجاورة بقذائف غاضبة .. و رحل .
أم إنه ... ؟ - أم هنا ... ؟ - أم هناك ... ؟
أم أن أحدهم منهم رأنى على الشاشة ... أهتف ؟
قوة الهاجس ترامت أكثر داخل رأسى الخائف حتى أنى استغل فرصة انشغالها الغاضب من ذلك الموقد المتهالك و انكمش مع بـعض طلاء الحجر الجيرى المنسحب مع انكماش ظهرى داخل حالة تخيل أخشى فيها إمكانية التحقق فهى سوف تنهار خلفى حتى إنها كثيرا مــا نبهتنى بنرة راجية .
- توخ الحذر دائما ... فأنا لم يتبق لى غيرك.
أزيغ بعينى أحاول أن لا تلتقط خوفى فى نظرتها العابرة ... أتراشق بنظرة متصلبه على صورة أخى الذي مزقته شظايا " التوما هوك " مع يوم الغزو الأول دون أن يدرى لماذا مات بينما كان يساير معادته مع أصدقاء المقهى بصوته الفرح لحنا شرقيا يضربه على عوده الذى جمع ثمنه بتجوال مستمر فى شوارع المدينة .
( فاصل )
هولاكو الجديد يتوعد
نساء ( المعتصم ) عرايا على الأسوار
رجال ببذات سوداء في سوق النخاسة و الخيانة
و تتوالى الأحداث ....
( 5 )
بالخارج طلقات تستبيح كل شيئ ...
أشعر بحركة قوية .... الظلمة تمتد ... القلب يهوى ... العيون تدور من الفزع ... نتبعثر معا كرقمين مذعورين على الأرضية ... العيون تدور من الفزع ... الموت ... أكيد هو الموت قادم ... يهدأ تدريجيا الصوت .. كالوميض تعود إلى فكرة أن أطمئن عليها ...أشعــــــل عود ثقاب يكون عليها مظلة من ضوء أحمر باهت وهى تتجمع و تتكور و تدور فى حلقات ألم متواصل عند الزاوية ... اتجه إليها .. اقـــــتحم نظرتها الزائعة بنظرة مشفقة ... قصف متواصل .. الجدران تتواطئ علينا مع شدة القصف ... هواء مشبع برائحة الدم الطازج يخترقنا معا
يضربنا اهتزاز جديد
,,,,, اتمدد فوقها .. ننتظر فرصة للحياة .
( فاصل )
يا عرب
بالأمس انتصر قطز
يا عرب
اليوم اغتيل قطز
( 6 )
.. ممتلئا بالفزع .
أجمع حركتها المتشنجة بين ضفتى ذراعى المتوترتين ... أهرس خطوتى الجزعة إلى أقرب منفذ قد يعيدها للحياة .. تشعب الشوارع الخلفية يزيد معاناتى بها ... أراهم و يرونى ... استوقفونى بأكثر من لغة وفي كل مرة أجيب ثم أركض ... يتبعى خط أحمر ساخن ينساب من رحمها النازف .
تصتادنى كاميرا لمصور يسعى لقصته المسائية .... أسب .. ألعن .. احتج حتى حبس صوتى الانفعال أمام عدسته ... أجرى عند مفترق طريق .... خط الدم ينسحب بكثافة إلى حوارى الموصل ... و كركوك ... و أم قصر ... و دمـشق و القدس ... لكنه شرع يتجمد ببرود فوق خشبة ملهى ليلى في ( شرم الشيخ )
- ( فاصل ) -