( 1 )
حركة قدميها الغارقة في التردد ... اضطراب أناملها المترنحة بين استـــــحياء واضح تبرز رغبة ملحة في طلب المساعدة .. دفعا بانتباهه ليقطع في خطوات متعجلة نهر الطريق الذي يموج برعونة سائقيه رغم اجتياح عاصفة الكدر تقاسيم وجهه بشده ... يحاول أن يتحالف مع ثانية زمنية باردة يستعيد فيها هــــدوءه الذي فقده ليلة أمس قبل أن يصل إليها... يقتــرب منها ... يجمع ببعض اهتمام عابر قطعا بصرية سريعة لها ..... فستانها المهندم ... لفحتها لكتابين يحجبان معظم معالم أنوثتها العلوية ...وأبرزها تلك النظارة الغارقة فى اللون الأسود تحاصر عينيها ... يفتح خطوته نحوها أكثر
- عايزة تعدى ؟
تجيبه منها إيماءة خجولة ... بلا مقدمات يلقى شبكة أصابعه على اناملها في حركة جرئيه... شعرت بتوالى درجات التوتر ... تكهرب جسدها في صمت كما يحدث في كل مرة يلامس كفها نسيجا جديدا
- خليكى مع خطوتي ... و متقلقيش
- حاضر
استسلمت لخطوته مع إحكام أنامله الذكورية ... يسحبها وراءه ... يتوقف خطوة ... يسرع خطوتين .. يلقى عليها جملة تنبيه متعجلة ... تشعر بهواء السيارات المارة حولها.. نفير أرعن يخترق محاولة العبور... حتى استقبلها مرفأ الرصيف الأخر .. ابتسامة ممتنة تمنحها له .
- ميرسى قوى .
- العفو ...
يشرع في أن الانسحاب من كفها المغلق بنفس درجة التلقائية ... بشغف الفرصة الأخيرة تتردد في أن تمنحه باقي أنامله المنسحبة .
- فيه حاجة تانية .... ؟ .... قالها مستغربا
- عايزه أشوف البحر ... أصل النهارده أخر يوم في الامتحانات الليـسانس وأنا مش عــارفه إمتى حشوفه تانى ...
أدهشه طلبها بقدر ما استوقفه ( تعبيرها ) المستخدم .
- " حتشوفه " ... طيب إزاى ؟؟
فكر لبرهة أن يختلق لها عذرا وقتيا ... و يرحل .. لكنه فاجئ نفسه بينما يعيد أنامله إلى تجويف كفها المنتظر قراره
- و ماله ... أنا احتمال رايح هناك .
تمزج ضم كتبها مع فورة سعادة طفولية ... يقبلها بنصف ابتسامة مفتوحة ... تتقدمه بخطوة أكثر حياة ... موازيا لها بنظرة متفحصة يسعى أن يخترق حصار تلك النظارة السوداء التي تخفى سر عينيها ليتحقق من إنها فعلا لا تتحلى بصفة النور .
- لازم أتأكد ... أنا مش ناقص ألم تانى .
بالأمس كانت زيارته الأخيرة ... قطعتها أعذار ( خطيبته ) عند خط المادة .
- خلاص .... كل شيء قسمة و نصيب .
- ربنا ما قسمش ده .. الطمع ( رغبة ) آدمية .
يدفع غيظ جمـلته الأخيرة إلى عروقه المنتفضة ... تتسرب منه ضغطة قوية إليها
- آسف .
طريقته المقتضبة أثارت كراهيتها تجاه هذه الكلمة التي باتت تستقبلها من الجميع منذ أن أخبروها بأن بريق الضوء يخبو من عينها في حالة نادرة ... لم تنقذها أموال والدها و لا علاقات والدتها التي تملأ صالونات النادي صخبا .. تعايشت ببعض الصدمة ثم شفقة إجبارية بينما هى تنهال على ذاكرتها ضاغطة كل الصور حتى تلك التي لم تكن تحسب وجودها يوما حولها ... إلا أن أعلن الظلام الكـامل رفقته الثقيلة ... بعدها توارى لجهة المستحيل حلمها فى ممارسة اكتشاف ( أسرار الجسد )
- هروح آداب إسكندرية ... و هأقعد عند خالتي هناك .
عبرت دمعة ساخنة سواد النظارة .... أشعرته بخطيئته فيها
- أنا بجد آسف ... دماغي كانت مشغولة شوية .
أزاحت دمعتها ...
- خلاص مفيش مشكلة .
( 2 )
تخير لهما مكانا على سور الكورنيش لا تزروه عيون المارة فهو لم يغادر عمله رغم اعتراض مديره حتى يصبح بالغد بطل حكاية بين زملاء المكتب إذا صادفته أحد العيون بينما يجلس معها
- مش لازم كمان حكاية ع الفاضى .
أجلسها بجواره ... هـواء عابث يكشف مع جرأته بعض أنوثتها ... يتابع لمسه حرية تجعل ملامحها أكثر تحديدا .
- تحبي تشربي حاجة ؟
- خروب ساقع
يتركها ليعود بعد حديث سريع مع البائع الذي اعتاد أن يكثر من قطع الثلج في أكواب رواد المكان من العشاق ... و قد استغرقت في حديث على هاتفها المحمول .
- طيب / ... / بس باريت ماتغبش عليا/ ... / أنا مستنياك / .
خطفته رؤوس الأسئلة بسرعة - ماذا ... ؟ كيف ... ؟ حتى هي تريد أن تتسلى به حتى يأتي أخر ؟
كاد أن يطيح بغيظه في وجهها ... و يرحل .
- ( عم على ) السواق عمره ما جه ليا في ميعاده أبدا .
إجابتها العفوية اسقطت مبررات ثورته الحمقاء ... يسلمها برفق جديد كوبها .
- شكرا
- متقوليش كده
- هو البحر لسه ... أزرق ؟
- آيوه
- يا ترى بيحس بل بيحبه ؟
طيف الفتاة الضئيلة التي انبثقت من مساحة الفراغ بينهما مع مجموعة ورودها لم تمهله طرح إجابه تتطابق مع نفس رؤيتها .
- خد وردة منى علشانها يا أستاذ
- وردة ... ؟
- علشان خاطري ...
- بس ... ؟
- ده الورد بتاعى سره باتع .
يدس يده في جيبه ... يأخذ منها تلك الوردة البيضاء التي تتفاخر بزهوة أوراقها ... يلتف إليها بنظرة أعمق ... يكتشف بزوغ جمال أخر يشع يتجاوز لعنة النظارة .. يمسك كفها ... يغرس زهرته ومعها مسافة واسعة من خطوط كفه التى تتلمسها بشغف لتضمها إلى ألبومها الخاص .